لما يطرح سؤال ما معنى الحياة؟ وإلامَ ستنتهي؟ وكيف هي طريقة العيش الصحيح؟ ستقف الأغلبية متحيرين في الجواب لا يعلمون فحوى حياتهم، يسيرون بلا معرفة ويتيهون في غياهب أيامها..
في سنوات مضت كانت الشعوب الإسلامية تمتاز وتفتخر بعلاقاتها الإنسانية والتلاحم والتزاور فيما بينهم وتنتقد العالم الغربي لضعف العلاقات الاجتماعية عندهم والتفكك الأسري؛ لضياعهم في عالم المادة ولكن ما حال كلاهما اليوم؟!
أصبحت اليوم الشعوب الإسلامية حالها حال الغرب في مسير حياتها، اتخذت من المادة هدفًا أساسيًا تسعى وراء تحصيلها غير آبهة للنفس والروح التي بها تحيا وترقى.
تُرى ما السبب؟ ما الذي جعل الناس تتمحور حياتها حول الماديات؟ غافلة عن الأرواح وكأنهم كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في حكمه المذكورة في نهج البلاغة: "أَهْلُ الدّنْيا كَرَكْبٍ يٌسارُ بِهمْ وَهُمْ نِيامُ".
العالم الذي كان ينتقده الشعب الإسلامي أضحى اليوم يعيش نفس حالته من ضياعٍ سعيًا وراء المادة، فأصبح وجُل وقته في عمل لا يكسب نفسه فيه بل يخسرها، ويعجز عن التقدم ويصيبه كسل وخمول لأنه يعمل لكسب المال فقط. وبات تواصله مع الآخر وفق المصلحة المادية. وكأنهم يُسار بهم وهم لا يشعرون كما وصفهم المولى الأمير.
الغرب الذين انتقدوا حالهم من قبل جعلوهم اليوم كما هم، لأنهم تركوا أنفسهم من دون جذور قوية، تتمايل مع الريح وتتأثر سراعًا بالثقافات الدخيلة، فلو انتبهوا لأنفسهم وحالها، وساروا بما أكد عليه الإسلام وفهموا معنى الحياة لما نجح الغرب بجعلهم كما يريد.
أمير المؤمنين علي (عليه السلام) يقول: الْمَالُ مَادَّةُ الشَّهَوَاتِ.
وسبحانه أشار إلى دنو اتباع الشهوات في كتابه العزيز في آياتٍ عديدة منها ما يشير إلى هدف الغرب وكيف أثروا في واقعنا ومِلْنا معهم ﴿وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا﴾.
وقوله الله تعالى: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنْ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ).
وهنا سبحانه يبين أنّ كلّ ذلك متاع للحياة الدنيا يزول، وليس هو أساس حياتكم، والله من لديه كلّ ما ينفعكم والخير الذي يغنيكم عن ماهو زائل ودَنيّ.
ويا للأسف عالمنا اليوم يضيع فيه الناس من أجل المال، وحتى علاقاتهم تبتني على المال، تعاملاتهم مادية، ونظرتهم مادية فضاعوا وأضاعوا أنفسهم.
لم يعيشوا ويتمتعوا بجمال هذا الكون، ضيّقوا على أنفسهم وجعلوا أغلب الوقت لجمع المال، أرهقوا أنفسهم ولم يستزيدوا لها، والأمير علي (عليه السلام) بيّن ذلك بقوله: المال داعية التعب، ومطيّة النصب.
فما بين وظائفهم التي يقضون فيها أغلب وقتهم، ووقت العائلة الذي تقلص، واجتماع الأرحام وابتعاد الأهالي عن أولادهم، ما سبّب الكثير من الأمراض النفسية، وجعل تركيز كلّ فرد مُنصب في كيفية استحصال الأموال وجمعها، فضاع من العمر الكثير وقصرت الأعمار حتى أن أحدًا لم يشعر بأيامه وكم عاش منها، وما فعل، وأمسى وشعور القلق يلازمه والخوف من فقد المال أنهكه. وما العمر إلا أياما معدودات لو انتبه أحدنا وتدبر في نهج سادة الخلق لما وصل الحال لما هو عليه اليوم.
فلو أنا فعّلنا كلام الأمير في حياتنا لما تهنا ولما صعُبت علينا الحياة.
اضافةتعليق
التعليقات