يؤدي النشاط البدني المنتظم إلى تحسّن الصحة والرفاهية العامة لأفراد المجتمع. وتوفر التمارين الرياضية المعتدلة، مثل المشي السريع، والتمارين الشديدة مثل الهرولة أو الجري، فوائد واسعة تشمل تقليل خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، والسكتة الدماغية، وارتفاع ضغط الدم، والنوع الثاني من داء السكري، والسمنة، والسرطان، ومرض الإنسداد الرئوي المزمن.
وقد ثبُت كذلك أن النشاط البدني المنتظم مفيد في علاج الأمراض النفسية مثل الإكتئاب. وفي الحقيقة، يُعدُ الخمول البدني من أهم عوامل الخطر المرتبطة بحدوث هذه الأمراض المزمنة وتفاقمها، ويفرض تهديدًا متزايدًا يتمثل في ارتفاع احتمالات إصابة الأصحاء بهذه الأمراض في وقتٍ لاحقٍ من حياتهم. ولهذا السبب، من المهم للناس الحفاظ على أداء التمارين الرياضية بانتظام، للوقاية من الأمراض المزمنة، أو الحدّ من آثارها الضارة.
ومع انتشار فيروس كوفيد-19، أصبحت هذه التوصيات أكثر أهمية لأن البيانات المتوافرة حاليًا عن الفيروس تُظهر بوضوح أن الأفراد المصابين بحالات صحية مزمنة يكونون أكثر عرضة للإصابة به. ولهذا السبب، فإننا ننصح أفراد المجتمع بالحفاظ على صحتهم خلال فترة انتشار الفيروس. ونظرًا لإغلاق مراكز اللياقة البدنية والأندية الصحية، هناك طريقتان أساسيتان يمكن للجماهير من خلالهما الحفاظ على النشاط البدني بانتظام، وهما أداء التمارين الرياضية في المنزل أو في الخارج، مع الحفاظ على التباعد الإجتماعي.
هل تساهم التمارين الرياضية في تعزيز الصحة النفسية لأفراد المجتمع؟
لا شك أن ممارسة النشاط البدني بشكل منتظم يحسّن الصحة النفسية بأشكال متعددة. ومن المعروف عن التمارين الرياضية على وجه الخصوص أنها تبطل مفعول التأثير الضار بالصحة الناتج عن الضغط النفسي.
وخلال هذه الفترة الاستثنائية، يشعر العديد من الأفراد "بضغط نفسي" نتيجة المخاوف المتعلقة بسلامتهم الشخصية، وأمنهم المالي، وعدم اليقين تجاه المستقبل. ويعمل هذا النوع من التوتر على تنشيط محور "الغدة النخامية - الكظرية"، الذي يساعد على تحويل الإجهاد النفسي إلى تغيرات فسيولوجية في الجسم، تُلحق الضرر بصحة الفرد. ومع ذلك، ثبت أن ممارسة التمارين الرياضية بانتظام تقاوم نشاط محور الغدة النخامية الكظرية، وبالتالي تشكل جبهة حماية تمنع الاستجابة للإجهاد العام الناتج عن تزايد القلق النفسي.
بالإضافة إلى ذلك، هناك أيضًا أدلة قوية تشير إلى أن ممارسة التمارين الرياضية بانتظام مفيدة لمن يعانون من الاكتئاب واضطرابات ما بعد الصدمة. وتُعدُ آلية التأثير معقدة، لكنها قد تنطوي على حدوث تحسينات في وظيفة الناقل العصبي للجهاز العصبي المركزي، بما في ذلك النظام الدوباميني وبيتا إندورفين.
النشاط البدني ضروري في زمن الكورونا
الصحة العالمية تنصح بتقليل الجلوس لفترات طويلة عن طريق استقطاع فترة كل 20-30 دقيقة للمشي في أرجاء المنزل.
قبل إجراءات تخفيف القيود التي اتخذتها أغلب دول العالم لمحاولة احتواء فيروس كورونا المستجد، كانت النصيحة التي دائما ما يرددها الأطباء هي الإبقاء على الحد الأدنى من النشاط البدني خلال العزل المنزلي.
وكان الأطباء يقصدون بالحد الأدنى للنشاط البدني، التحرك لمدة 3 إلى 5 دقائق داخل المنزل، مثل المشاركة في أعمال منزلية أو المشي بين الغرف، بما يساعد في تخفيف إجهاد العضلات، وتخفيف التوتر العقلي وتحسين الدورة الدموية.
ومع تخفيف القيود، والعودة التدريجية لكل الأنشطة أصبحت الفرصة متاحة لتنوع الأنشطة البدنية لتشمل الجري وركوب الدراجات.
وينصح د.سيد ماهر، استشاري العلاج الطبيعي بوزارة الصحة المصرية، بأن يبدأ الشخص بممارسة النشاط لوقت بسيط، ثم يزيد الفترت مع مرور الوقت.
ويقول ماهر: "إذا لم تكن نشيطا بانتظام، فابدأ ببطء وبأنشطة منخفضة التأثير، مثل المشي وتمارين بسيطة، وابدأ بفترات أقصر، مثل 5-10 دقائق، وقم بالتدريج حتى 30 دقيقة أو أكثر على مدى بضعة أسابيع، فمن الأفضل والأكثر أمانا أن تكون نشطا لفترات قصيرة، أكثر من محاولة أن تكون نشطا لفترات طويلة عندما لا تكون معتادا عليها، وتفشل في ذلك".
ويشدد "ماهر" على ضرورة اختيار النشاط الصحيح الذي يقلل من خطر الإصابة ويمنح صاحبة الاستمتاع بممارسته، ويكون ذلك باختيار النشاط المناسب لحالتك الصحية ومستوى لياقتك، بحيث يجب أن تكون قادرا على التنفس بشكل مريح وإجراء محادثة أثناء قيامك بنشاط بدني خفيف ومعتدل.
وبشكل عام ينصح الأطباء بعدم ممارسة الرياضة إذا كنت تعاني من الحمى والسعال وصعوبة التنفس، وهو أمر يجب التشديد عليه في هذه الفترة، حيث أن هذه الأعراض مصاحبة للإصابة بالفيروس، كما يقول ماهر.
ويضيف أنه يجب الحرص عند ممارسة هذه الأنشطة خارج المنزل ممارسة الإبعاد الجسدي وغسل اليدين بالماء والصابون قبل مغادرة المنزل، وعند الوصول إلى المكان الذي تذهب إليه، وبمجرد عودتك إلى المنزل، وإذا لم يتوفر الماء والصابون على الفور، فيمكن استخدام الكحول.
مثل هذه النصائح تبدو ملائمة لمن كان يمارس النشاط البدني خارج المنزل قبل أزمة فيروس كورونا المستجد، لكن ماذا عن الأشخاص الذين لم يتعودوا على ممارسة الأنشطة داخل أو خارج المنزل؟.
وتقول منظمة الصحة العالمية إن أزمة الفيروس لم تنته، وربما تجد الحكومات بعد تخفيف القيود، حاجة إلى إعادة فرضها مجددا، وهنا يجب التأكيد على أهمية الإبقاء على حالة النشاط داخل المنزل والتقليل من الوقت الذي نقضية سواء للعمل أو الدراسة أو مشاهدة التلفزيون أو القراءة أو استخدام وسائل التواصل الاجتماعي أو ممارسة الألعاب باستخدام الشاشات.
وتنصح المنظمة في هذا الإطار بتقليل الجلوس لفترات طويلة عن طريق أخذ فترات راحة قصيرة لمدة 3-5 دقائق كل 20-30 دقيقة، لنقوم خلالها بالتمشية في أرجاء المنزل، صعودًا ونزولًا على الدرج، أو في الحديقة.
وتشير المنظمة في بيان عبر موقعها الرسمي، إلى أنه يمكن أيضا في هذا الإطار إعداد روتين منتظم للنشاط، من خلال التخطيط لنشاط بدني أو استراحة للتمرين إما بنفسك، أو بالانضمام إلى فصل دراسي عبر الإنترنت، أو عن طريق تحديد وقت لتكون نشطًا عبر الإنترنت مع أصدقائك أو زملائك.
وتقول المنظمة إن تخصيص وقت محدد للنشاط يضمن ممارسة النشاط البدني بروتين منتظم، ويساعدك على التكيف مع طرق جديدة للعمل والدراسة والحياة الأسرية بموجب قيود "كوفيد- 19".
مقدار النشاط البدني
ولدى منظمة الصحة العالمية توصيات تفصيلية حول مقدار النشاط البدني الذي يجب على الناس من جميع الأعمار القيام به لإفادة صحتهم، حيث يجب على الأطفال أقل من 5 سنوات من العمر قضاء 180 دقيقة على الأقل في اليوم في الأنشطة البدنية، أما الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 3 و 4 أعوام، فيجب أن يمارسوا نشاط بشكل معتدل أو نشط لمدة ساعة في اليوم.
ويجب على الأطفال والمراهقون الذين تتراوح أعمارهم بين 5-17 سنة، ممارسة ما لا يقل عن 60 دقيقة يوميًا من النشاط البدني المعتدل إلى القوي، بما في ذلك الأنشطة التي تقوي العضلات والعظام، على الأقل 3 أيام في الأسبوع.
أما البالغين الذين تزيد أعمارهم عن 18 عامًا، فيجب عليهم ممارسة الرياضة بما لا يقل عن 150 دقيقة من النشاط البدني متوسط الشدة طوال الأسبوع، أو 75 دقيقة على الأقل من النشاط البدني شديد الكثافة طوال الأسبوع ، بما في ذلك أنشطة تقوية العضلات لمدة يومين أو أكثر في الأسبوع.
ويجب على كبار السن الذين يعانون من ضعف الحركة ممارسة النشاط البدني لتعزيز التوازن ومنع السقوط في 3 أيام أو أكثر في الأسبوع.
والثابت وفق الدراسات العلمية أن النشاط البدني المنتظم يفيد كلا من الجسم والعقل، لتقليل ارتفاع ضغط الدم، والمساعدة في إدارة الوزن وتقليل خطر الإصابة بأمراض القلب والسكتة الدماغية والسكري من النوع الثاني ومختلف أنواع السرطان.
كما أنه يحسن قوة العظام والعضلات ويزيد من التوازن والمرونة واللياقة البدنية، وبالنسبة لكبار السن، تساعد الأنشطة التي تحسن التوازن على منع السقوط والإصابات، وبالنسبة للأطفال، يساعد النشاط البدني المنتظم في دعم النمو والتطور الصحي ويقلل من خطر الإصابة بالمرض في الحياة اللاحقة، ومن خلال النشاط المنتظم، يمكن للأطفال تطوير مهارات الحركة الأساسية وبناء العلاقات الاجتماعية.
كما يحسن النشاط البدني المنتظم الصحة العقلية ويمكن أن يقلل من خطر الإكتئاب والتدهور المعرفي ويؤخر ظهور الخرف، ويحسن الشعور العام بالرفاهية.
وتقول منظمة الصحة العالمية إن كل هذه المزايا المثبتة علميا للنشاط تصب البدني في اتجاه رفع مناعة الجسم، وهي خط الدفاع الأول في مواجهة فيروس كورونا المستجد.
اضافةتعليق
التعليقات