حين كنت طالبةً جامعيّة كنت متميّزةً في المستوى العلمي، معروفةً بالسمو الأخلاقي، وملتزمةً بحضور كلّ محاضراتي لكن ذات مرّة كنت مشغولةً؛ لأمر ما فلم أدخل المحاضرة، وقد دخل أستاذي لمحاضرته، فسبقني بخمس دقائق ومن المعروف أنّ المحاضرة في أول الصباح مسموحًا فيها التأخّر حتّى عقب مجيء الأستاذ؛ لتقدير موقف الطلبة بما يعرقلهم من زحمة الشوارع، أو تاخّر الخطوط...
إلّا أنّ ذلك مرفوض في ما يلي المحاضرة الأولى وبما أنّ النظام الساري هو بدء إلقاء الدرس في كلّ ساعة، ونصفها؛ لذا خطرت لي فكرة تغيير ساعة يدي فبدل أن تكون الثانية عشرة والنصف جعلتها الثانية عشرة والنصف إلّا خمس دقائق وفتحت باب القاعة بكلّ جرأة، ودخلت. نظر الأستاذ وعيون الطلبة كافّة موجّهة عليّ… قال لي الأستاذ: أين كنتِ؟! الساعة تجاوزت النصف، فأجبته: عفوًا (مع التمثيل بالصدمة، والذهول) ولكن إنظر؟!!
إقتربت منه، وأريته توقيت ساعتي.
قال: تفضّلي بالجلوس يا إبنتي، ولا ترتبكي، ولكن قدّمي الوقت في ساعتك خمس دقائق.
رنّت كلماته اللطيفة في عقلي، وقد وخزت ثقته فيّ قلبي فلم أنتبه حتّى لما تم شرحه من موضوع وما إن خرج ذهبت إليه مسرعة، وأخبرته الحقيقة. قال: لا بأس حرصك دفعك لفعل ذلك، وأمانتك حرّضتك على الإقرار بما فعلتيه.
الشاهد: كان بإمكاني القول أنّني في المصلّى كما يفعل الكثيرون لكنّني خشيت الله بعصيانه مرّتين مرّة في الكذب، ومرّة في أن أضع الصلاة حجّة لإثمي وفكّرت في حيلة تجنّبني كلّ ذلك إلّا أنّ هذه الحيلة بما فيها من عدم الخلو من حقيقة الوقت بإرجاعه فعلًا، وعدم التفوّه بغير النطق به غير أنّ فيها خيانة صمّاء للثقة العمياء بي.
فلكلّ من يقسم يمينًا على مسألة ويكمن في قلبه مسألة أخرى ليس المخاطب مغفّلًا ولكنّه واثقًا فلا تخدش ثقته بالمكر، والخديعة.
اضافةتعليق
التعليقات
العراق2024-01-02