يحتاج الطفل الى الكثير من العاطفة والدعم النفسي أثناء تربيته وتنشئته حيث يرتبط الإهمال النفسي أو العاطفي ارتباطاً قوياً بالإهمال التربوي. فالتربية السليمة والسوية تؤدي إلى استقرار نفسي وعاطفي لدى الأطفال، وحين تكون أساليب التربية خاطئة وغير سوية فإن هذا يؤثر مباشرة في النمو العاطفي للطفل. هذه الحالة هي من أهم أسباب موت الأطفال وأكثرها شيوعاً.
حين نقول النمو العاطفي فإن ذلك يشمل شخصية متوازنة واستقراراً داخلياً يساعد الطفل على أن يتعامل مع الآخرين بطريقة سوية ويحسن الظن بالمجتمع ويبتعد عن الأساليب الخاطئة في الحياة كالكذب والغش والسرقة والاعتداء والعنف والسب والشتم وغيره من السلوكيات والقيم الخاطئة. ويحدث الإهمال العاطفي حين يظهر الأهل عدم الاهتمام بمشاعر الطفل أو النظر إليه على أنه مخلوق له مشاعر، وتبرز مثل هذه الظواهر بشكل خاص لدى الأسر كبيرة العدد، حيث لا يعطى الطفل اهتماماً خاصاً، ولا يُسأل عن شؤونه الخاصة أو يوجه له اهتماماً خاصاً، وتعتمد سلامة النمو الانفعالي لدى الطفل على قدرة الوالدين على مبادلة الأطفال الحب وإشعارهم بالأمن وتعزيز شعورهم بالانتماء للأسرة.
ويكون الطفل مهملاً عاطفياً عندما يحتاج الطفل إلى رعاية وحنان ويستطيع الوالدان إعطاءها، ولكنهما لا يعيران أي اهتمام لهذا الأمر، إما للجهل (سواء الجهل بسبب قلة التعليم، أو قلة الخبرة والمعرفة)، أو لعدم الاكتراث بهذا المخلوق الصغير لاعتقاد الأهل بأنه صغير وليس لديه مشاعر.
فما هو الإهمال العاطفي للأطفال؟
الإهمال العاطفي هو نوع من إساءة معاملة الأطفال التي غالبًا ما تمر دون أن يلاحظها أحد. ويحدث عندما يفشل الآباء أو مقدمو الرعاية في توفير الدعم العاطفي والاهتمام الذي يحتاجه الأطفال للنمو. يمكن أن يكون للإهمال العاطفي آثار خطيرة وطويلة الأمد على الصحة العقلية والعاطفية للأطفال. وهناك علاقة وثيقة بين غياب النضج العاطفي لدى الأهل وإهمالهم عاطفياً للأبناء بشكل عام، ويتضمن الإهمال العاطفي أثناء الطفولة عدم الانتباه للتطور العاطفي للطفل، الذي يكون له آثار قصيرة وبعيدة المدى. وله عدة أشكال مثل نقص الدعم العاطفي خلال الأوقات الصعبة أو المرض. حجب أو عدم إظهار المودة حتى عند الطلب.
في كتابها “دراما الطفل الموهوب” والذي أحدث ضجة كبيرة عند صدوره عام 1981 وتصدر قائمة المبيعات، تقول الأخصائية النفسية البولندية (أليس ميللر) “أن الإهمال العاطفي يمكن أن يتسبب في قمع الأطفال لمشاعرهم وتطوير شعور زائف بالذات”. وتضيف بأن “الآباء الذين يهملون أطفالهم عاطفياً غالباً ما يكررون أنماط الإهمال العاطفي التي عانوا منها في طفولتهم.”
تكمن مشكلة الضرر الذي يتسبب به الإهمال العاطفي، أنه ضرر صامت، ألمه مستمر، ونتائجه غير محسوسة، لكنها قد ترافقنا طيلة حياتنا، والتي غالباً ما يصعب فهمها أو ربطها بالإهمال العاطفي خلال مراحل الطفولة.
أنواع الإهمال العاطفي
العزل
عزل الطفل أو فصله عن التجارب الاجتماعية الطبيعية، إما بداعي الخوف المفرط عليه، أو حمايته، أو لانشغال الأبوين، مما يحرم الطفل من تكوين الصداقات، وقد يؤدي إلى الاكتئاب. فعزل الطفل يضر بنموه المعرفي والعاطفي والاجتماعي.
تحقير الطفل
هو الحط من شأن الطفل كأحد أنواع الإهمال العاطفي، ويؤدي هذا السلوك إلى رؤية الطفل لنفسه في الصورة "المنحطة" التي ترسمها ألفاظ ذويه، ما يحد من طاقة الطفل ويعطل إحساسه الذاتي بإمكاناته وطاقاته.
هذا يتمثل بإطلاق نعوت على الطفل مثل: غبي، أنت غلطة، خصوصاً إذا كانت تطلق على الطفل بصورة مستمرة.
التدليل المفرط
لا يساعد الطفل على تعلم واقع الحياة والظروف المحيطة به أن يحصل على دلال مفرط وتلبية مما يؤدي لصعوبات في تحمل المسؤولية والتعايش مع الآخرين في الكبر.
يشمل التدليل المفرط عندما يقول أو يرتكب الطفل خطأ يؤثر سلبياً في شخصيته، خصوصاً عندما يكرر هذا التصرف ويصبح عادة عند الطفل وتكون ردة فعل الوالدين سلبية ولا يحاولان تعديل سلوكه كي لا ينزعج أو يحزن.
القسوة
معروف أن الأطفال بحاجة إلى الشعور بالأمان والمحبة لينطلقوا في استكشاف العالم من حولهم، وليتعلموا تشكيل علاقات صحية. أما حين يتعرض الأطفال لمعاملة قاسية من ذويهم فإن العالم لا يعود له معنى بالنسبة إليهم، وستتأثر كل مجالات التعلم بتجربتهم القاسية ويتعطل نموهم العاطفي والاجتماعي والثقافي.
الرفض
يمكن أن يكون الرفض أحد أنواع الإهمال العاطفي، فعندما يرفض أحد الأبوين الطفل فإنه يشوه صورته الذاتية ويشعره بعدم قيمته، وهذا الرفض يحدث غالباً في حالات الانفصال بين الأبوين أو الخلافات الشديدة وتبادل الاتهامات، وهو الأمر الذي يعتبر مدمراً لأطفال هذه الأسرة.
وقد أشارت ميللر في كتابها إلى عدد من النتائج التي تظهر على الأطفال الذين يعانون من الإهمال العاطفي مثل:
تدني احترام الذات، وشعور الأطفال بأنهم غير محبوبين أو غير مرغوب بهم أو غير مهمين.
القلق والاكتئاب الذي قد يتسبب للأطفال بالشعور بالعجز وصعوبة في تنظيم عواطفهم والتعبير عن مشاعرهم ورغباتهم ما يجعلهم عرضة للعزلة الاجتماعية وعدم القدرة على تكوين علاقات وثيقة أو التعاطف مع الآخرين وفهم مشاعرهم.
هناك أيضا مشاكل سلوكية يتسبب بها الإهمال العاطفي مثل العدوانية تجاه الآخرين، أو الحالة المعاكسة: الميل الدائم للانسحاب والتردد في اتخاذ القرارات الشخصية.
أسباب الإهمال العاطفي في مرحلة الطفولة
يعود الإهمال العاطفيّ إلى العديد من الأسباب، وفيما يأتي ذكر أبرزها:
تعرّض الوالدان للتجاهل العاطفيّ من قبل آبائهم عندما كانوا أطفالًا؛ وبالتالي لم يستطيعوا التعرّف إلى طريقة التعامل مع عواطف أبنائهم. مرور الآباء بظروفٍ قاسية كالمرض، أو وفاة قريب، أو الطلاق، أو فقدان الوظيفة.
أمثلة على الإهمال العاطفي في مرحلة الطفولة
يوجد العديد من الأمثلة على الإهمال العاطفيّ، وأهمّها:
هو تجاهل أحد الوالدين أو كليهما مشاعر حزن الطفل عند انتقال صديقه إلى مدرسة أخرى؛ فيعتبرون الأمر تافهًا بدلًا من الاستماع إليه ومساعدته على التأقلم، يلجأون للتجاهل وعدم الاهتمام بما يقوله الطفل، وبهذا يبدأ الطفل بالتفكير في أنّ احتياجاته العاطفيّة غير مهمّة؛ ليتوقف بهذا عن طلب الدعم.
ومن الأمثلة على جمل الإهمال العاطفيّ التي تصدر عن الوالدين: (أنت لا تشعر بالحزن حقًا)، أو (الأمر ليس بهذا السوء، ولا يستحق الانزعاج)، أو (توقّف عن إثارة الدراما).
آثار الإهمال العاطفي في مرحلة الطفولة على المراحل العمرية المختلفة
يترتب على الإهمال العاطفيّ العديد من الآثار، وفيما يأتي توضيحها في كلّ مرحلة عمريّة:
آثار الإهمال العاطفي في مرحلة الطفولة
عند الأطفال تتمثّل الآثار الناتجة عن إهمال الأطفال في مرحلة الطفولة في:
الإصابة بالاكتئاب، والشعور بالقلق، واللامبالاة، وفرط النشاط، والعدوانيّة، وتأخر النمو، وعدم القدرة على الازدهار والنجاح، وتدنّي احترام الذات، والابتعاد عن الأصدقاء أو الأنشطة، والابتعاد عن التقارب العاطفيّ.
آثارالإهمال العاطفي في مرحلة الطفولة عند المراهقين
يُمكن أن يُصاب الطفل بالاضطراب النفسيّ في مرحلة المراهقة إذا كان قد تعرّض للإهمال العاطفيّ، ويتمثل ذلك في: الاكتئاب، واضطراب ثنائي القطب، واضطراب القلق والرهاب، واضطراب ما بعد الصدمة، كما يُعتبرون عرضةً لتدني تحصيلهم الدراسيّ، وتعاطي المخدرات، ومحاولات الانتحار.
آثار الإهمال العاطفي في مرحلة الطفولة عند البالغين
تتمثّل الآثار الناتجة عن إهمال الأطفال في مرحلة البلوغ فيما يأتي: الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة، والاكتئاب، وارتفاع احتمالية الإصابة باضطرابات الأكل، والابتعاد عن العلاقة الحميمة، والشعور بالعيوب الشخصيّة، والذنب، والفراغ، والغضب السريع، وممارسة سلوكيات عدوانيّة، وصعوبة في الثقة بالآخرين.
والإهمال العاطفي يؤثران في سلوك الطفل، ويظهران بوضوح عندما يبلغ مبلغ الرجال، أو تصل الفتاة إلى مرحلة الأنثى البالغة أو دون هذه السن.
طريقة التعامل مع الإهمال العاطفي في مرحلة الطفولة
يُمكن التعامل مع الإهمال العاطفيّ في مرحلة الطفولة على النحو الآتي:
التعرف على المشاعر
يجب على الشخص أن يتعلّم كيف يتعرّف على مشاعره، وذلك بالتفكير فيما يفعله بشكلٍ دقيق، مثلًا: إلى أين يذهب، ومع من يقضي وقته، وما يأكله؛ إذ إنّ القرارات المتعلّقة بهذه الأسئلة تتُخذ عن طريق المشاعر، وبالتالي يستطيع الإنسان من خلالها أن يعرف كيف يشعر اتجاه نفسه، والآخرين، والعالم.
تحديد الاحتياجات وطلب تلبيتها من الآخرين
يجب على الشخص أن يُدرك أنّه يستحق تلبية احتياجاته كما الأشخاص الآخرين؛ وللتدرّب على ذلك، يُمكن مثلًا طلب العناق من صديق مقرّب عند الشعور بالحزن، أو طلب لحظات من الهدوء عند العودة من عملٍ شاق إلى المنزل.
البحث عن معالج
يُساعد المعالج الشخص في التعرّف على مشاعره، وطريقة طلب ما يحتاجه، كما يُعلّمه كيف يثق بالآخرين، وكيف يُعزز احترامه لذاته، وكيف يتعامل مع الرفض، وغيرها.
إن للعاطفة والحنان والحب خصوصية معيّنة وطبيعة متفردة لا يجدها الطفل إلا عند أبويه، لا سيما الأم التي إذا ضمته وقبلته وابتسمت له ورعته انتعشت أساريره واطمأن قلبه؛ ولذا نجد الأطفال والفتيان الذين ترعاهم أمهاتهم وتربيهم وتمنحهم من وقتها القسط الأكبر هم الذين يتوفر لديهم القدر الكافي من الاتزان والاطمئنان والانسجام مع محيطهم.
اضافةتعليق
التعليقات