دعنا نسر سوياً في قطار الأيام ونرى كيف تجري أيامك؟ هل تلقيت مساعدة من أحد اليوم؟ هل تحدثت حديثاً راق لك مع صديق؟ هل أثنى عليك المدير في العمل؟ هل ناولك النادل طعامك بابتسامة؟ هل دعا لك أحدهم دعاءً طيباً؟ هل كان هناك حولك من لا يعرف طريق البداية؟ هل كان هناك من يخاف من أن يستثمر فرصة حسنة؟ هل رأيت شخصاً عرض أمامك أعماله المتميزة؟ هل كان زميلك يعاني من خطب ما وليس على ما يرام؟
ماذا فعلت في كل تلك الحالات؟
كان من الطبيعي حتى وقت قريب إظهار اللطف والامتنان مقابل المبادرات الطيبة، والتشجيع في مواقف التردد، والمباركة والاحتفال عند نجاح الآخر وتميزه، والتهوين والمواساة والانصات عند التعب والإنهاك.
غير أن ذلك تغير، يتعامل كثير من الأشخاص مع التواصل الودي على أنه تملق زائف يقدمونه حين يأخذون شيئاً في المقابل، ويرون أن اللطفاء لطفاء وراثياً وهذه هي شخصياتهم، وأولئك المتعبون سيصبحون أفضل بطريقة أو بأخرى بمفردهم دون اشتراك منهم بذلك.
يسير البشر منعزلون كجزر منفردة، كل منهم منغمس في عالمه الخاص، يعتقد أن التواصل الودي يقلل من قيمته الشخصية ويجعله منخفض الرتبة، أو أن هناك خجلاً عارماً يمنعه من ذلك فهو لم يعتد على استقبال اللطف ولم ير أحداً يفعل ذلك، لذا يقرر أن لا يقدمه مطلقاً.
يغفل المرء أنه لن يكون قوياً وناجحاً دائماً، وستمر أوقات سيكون هو فيها أحوج ما يكون للكلمة الطيبة، وعندما لا يقدمها في وقت قوته غالباً لن يتلقاها في وقت ضعفه، وهذا لا يعني أن يفعل الأشياء رغبة بالحصول على مردود مقابل لها، لكن هي الحياة تدور دوائرها وتحصل على ما تقدمه.
وديننا الإسلامي دين يعلي شأن الكلمة الطيبة ويجعلها صدقة، ويؤكد على أهميتها في آيات عدة، وفي الأحاديث والسيرة النبوية، وتراث آل البيت، ولكن كما نبتعد شيئاً فشيئاً عن التعاليم الإسلامية، نبتعد عن الأخلاق معها تدريجياً، وتصبح الكلمة الطيبة وسيلة لا أسلوب عيش، وتكون مخيفة وثقيلة عند الحصول عليها، لأن مُستقبِلها يخطر في ذهنه كل ما عليه تقديمه لقاء حصوله عليها.
لا يطلب منك أن تنسى نفسك وتقدم الآخرين على راحتك وإن كان ذلك مطلوب في بعض الأحيان، لكن الحياة اليومية تحتاج منك بعض الملاحظة لمن هم حولك وتقدير جهودهم، والتلطف في القول، وحسن اختيار اللفظ، وإدراك وحدة الجوهر الإنساني، وتشابه خصائصه، فالجميع يحتاج إلى الكلمة الرؤوف، والنظرة الحانية، ودفء التواصل.
اضافةتعليق
التعليقات