تستقر في ذاكرتنا الكثير من القصص والكثير من المصاديق الدالة على رحمة رب العباد وأثر الدعاء والصبر على البلاء لنيل جزاء ذلك، ففي قصة نبي الله يونس بن متى "عليه السلام" أرسله الله إلى أهل “نينوى” وكانوا مائة ألف أو يزيدون، فدعاهم إلى الله عز وجل، فكذبوه وتمردوا على كفرهم وعنادهم، فلما طال ذلك عليه من أمرهم، خرج غاضباً من بين أظهرهم ووعدهم حلول العذاب بهم بعد ثلاث.
فلما خرج من بين ظهرانيهم وتحققوا نزول العذاب بهم قذف الله في قلوبهم التوبة والإنابة وندموا على ما كان منهم إلى نبيهم، فلبسوا المسوح وفرقوا بين كل بهيمة وولدها ثم عجوا إلى الله عز وجل وصرخوا وتضرعوا إليه وتمسكنوا لديه، وبكى الرجال والنساء والبنون والبنات والأمهات، وجأرت الأنعام والدواب والمواشي، فَرَغَت الأبلُ وفصلانُها، وخارت البقر وأولادها، وثغت الغنم وحملانها، وكانت ساعة عظيمة هائلة.
فكشف الله العظيم بحوله وقوته ورأفته ورحمته عنهم العذاب الذي كان قد اتصل بهم سببه، ودار على رؤوسهم كقطع الليل المظلم.
أما يونس فقد خرج من القرية من دون أن يأذن له ربه، فلما خرج ركب مركباً في البحر، فلجَّت بهم، واضطربت وماجت بهم وثقلت بما فيها، وكادوا يغرقون، فاشتوروا فيما بينهم، على أن يقترعوا، فمن وقعت عليه القرعة ألقوه من السفينة ليتخففوا منه.
فلما اقترعوا وقعت القرعة على نبي الله يونس، فلم يسمحوا به، فأعادوها ثانية فوقعت عليه أيضاً، فشمّر ليخلع ثيابه ويلقي بنفسه فأبوا عليه ذلك، ثم أعادوا القرعة ثالثة فوقعت عليه أيضاً لما يريده الله به من الأمر العظيم.
ولما وقعت عليه القرعة ألقي في البحر، وبعث الله عز وجل حوتاً عظيماً من البحر الأخضر فالتقمه، وأمره الله تعالى ألا يأكل له لحما، ولا يهشم له عظماً، فليس لك برزق، فأخذه فطاف به البحار كلها، وظن يونس أنه قد مات، فقد كان داخل ظلمات الحوت وظلمات البحر وظلمات الليل، فحرّك جوارحه فتحركت، فإذا هو حي، فخر لله ساجداً، وقال: يا رب اتخذت لك مسجداً في موضع لم يعبدك أحداً في مثله. وشعر يونس بأنه أذنب وعوقب بذنبه، فكان مغموماً بما وقع فيه، وراح يردد: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين.
ظل يونس يستغفر ويسبح الله ويتوب من ذنبه، فاستجاب الله دعاءه، وأمر الله الحوت أن يقذف بيونس إلى البر، ولولا أن يونس كان من عباد الله المسبحين لظل في بطن الحوت إلى يوم القيامة.
للدعاء أثر واضح في تغيير المقدرات التكوينية التي كتبت للانسان لكن يظهر الأثر ويظهر بالتدريج أو بمعنى أدق تظهر لكلاً حسب تعامله مع الدعاء وكيفية علاقته بالله من خلال طريقة الدعاء ووقته وحاجته ونيته مع توفر الشروط للاستجابة، فالبعض يدعو الله ويفعل الواجبات والمستحبات ويلح في دعائه لقضاء حاجته أو لشفاء مرضه وغيرها، لكن بالنتيجة لا يستجاب له و بسبب الحواجز التي تعتريه في حياته دون أن يلتفت إلى أي منها وجهله بغيبية الدعاء وكيفية تأثيره في سرعة الاستجابة وتأخرها لصالحه دون علم له بمصيره الذي بيد الله.
فإن كل ذلك يدخل في مقدمات استجابة الدعاء التي لا بد من تحقق شروطها في بادئ الأمر ، وبعدها وأن يكون الله موضع ثقته في تحقق الإجابة ليرى بنفسه كيفيه إدارة الأقدار التي سلم زمام أموره إليه وأيضاً التسليم المطلق لله هو ما يجعل الأمور تسير لصالح العبد في تحقق المراد ورفع البلاء ورفع الدرجات وتغيير الأحوال .
اضافةتعليق
التعليقات