كل إنسان مؤمن يسعى إلى أن يصل إلى حياة ناجحة وسعيدة، وفي ثقافة القرآن الكريم هناك تعبير يصف هذه الحياة هو (الحياة الطيبة) فبه تتجسد حياة عموم الصالحين المؤمنين، فبناء الوجود الداخلي والخارجي للإنسان قائم على ثلاثية هي الفكر والمشاعر والسلوك، لذا فتعريف الحياة الطيبة هو أن تكون أفكارنا ومشاعرنا وسلوكياتنا طيبة لا خبيثة، حَسنة لا سيئة، وهذا هو البناء العام _إن صح التعبير_.
أما البناء الخاص فهو ما يعرف بمنظومة بناء العادات، فالعادة هي من الاعتياد أي يصبح الشيء كالملكة مغروسة في وجوده وجزء من ذاته، لا يحتاج إلى بذل جهد أو تحفيز أو تذكير ليتبناها أو يعيش وفقها. فلكل إنسان بوعي أو دون وعي أفكار اعتاد على الاعتقاد بأفكار ما، ثم مشاعر تتبعها وسلوكيات تجسدها، تُرى من خلالها حياته التي يعيشها الآن في الدنيا، وجزاؤه الذي يترتب عليها في آخرته.
فلو أردنا أن نقتبس من(الشجرة الطيبة) لحياتنا حياة، لوجدنا إن جذر شجرة الحياة الطيبة هو حُسن النية، كما عبر أمير الكلام (عليه السلام) بقوله: [عود نفسك حُسن النية وجميل المقصد، تدرك في مباغيك النجاح](١).
ثلاث سواقي لحُسن النية
كل جذر يحتاج إلى سقاية كي ينمو وتثمر شجرته ولا ييبس فيموت وتموت شجرته، وهكذا حُسن النية فهي تحتاج سقاية كي تنمو وتثمر حياة صاحبها طِيبًا، فقد ورد في إحدى أدعيتنا هذا المعنى: [اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ نَبِيِّ رَحْمَتِكَ وَكَلِمَةِ نُورِكَ وَأَنْ تَمْلا.. فِكْرِي نُورَ النِّيَّاتِ](٢)، فالساقية الأولى/الأصل لحُسن النية في حياة المؤمنين هي متصلة بالمقدمات الغيبية أي بالطلب من الله تعالى من جهة، وقد عرفت على أنها نور من جهة أخرى.
ولهذا من يملك حُسن النية أي له فكر نوراني هو ممن وصفه الذكر الحكيم {أَ وَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَ جَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها …} (الانعام:١٢٢)، فنور الفكر يترشح ليس فقط داخليًا بأن يكون ذو عقائد طيبة وصحيحة بل يترشح على كل وجوده، أي فيما يُظهره خارجيًا من تعاملات ومعاملات.
والساقية الثانية هي مرتبطة بالمقدمات الطبيعية كطهارة المولد، فعنه (عليه السلام) قال: [جميل المقصد يدل على طهارة المولد] (١)، ولذا جاء التشديد في النهي على اختيار "الحسناء في منبت السوء"، فمن ذلك نفهم عمق النظرة وبعدها، تلك التي نرى من خلالها ما ستبنى عليه حياة الإنسان الذين سيولد من هكذا وعاء، وأي ثمار سيجني في حياته.
أما الساقية الثالثة فهي مرتبطة بسعي نفس المؤمن أي أن يجتهد في تهذيب نفسه، فعنه (عليه السلام): [سوء النية داء دفين](٣)، فلكل داء دواء المهم تشخيصه ومعالجته، عندئذ يصل إلى أن يكون جميل النية في علاقته مع الآخرين ألا يضمر لهم إلا كل جميل، وفي علاقته مع ربه خالصة غير مشوبة، كما عبر الأمير بقوله: [إن الله سبحانه يحب أن تكون نية الإنسان للناس جميلة، كما يحب أن تكون نيته في طاعته قوية غير مدخولة](٢).
وللجذر جذور فرعية
كما إن لهذا الجذر جذور فرعية فهي كما عبر الأمير تجسد مظهر من مظاهر الجمال المعنوي في الذات الإنسانية، إذ قال الإمام علي (عليه السلام): [حسن النية جمال السرائر](٣)، وعنه (عليه السلام): [حسن النية من سلامة الطوية](١)، وسببًا لتحصيل كل شيء جميل في الحياة، كما ورد في حكمه (عليه السلام): [جميل النية سبب لبلوغ الأمنية](١)، بالنتيجة لا غنى عن الجذور الفرعية لتحصيل شجرة حياة طيبة قوية كما في قوله (عليه السلام): [من حسنت نيته… طابت عيشته](١).
حُسن النية عمل وأثر
لكل عمل أثر -كما هو معلوم- لذا الأمير (عليه السلام) بعد أن أعطانا في حكمه ما هو المطلوب منا عمله تجاه تحقيق هذه العادة -وهي التي عبرنا عنها بالسقايات الثلاثة- فقد أشار إلى الآثار المترتبة على كل منها، فمما ورد عنه (عليه السلام): [صلاح العمل بصلاح النية](٣)، فأهم أثر لاستجابة الله تعالى طلبنا بأن نكون من أهل النيات المنيرة هو صلاح أعمالنا المترتبة عليها.
ومن الآثار المرتبطة بجميل النية مع الآخرين هو قوله: [من حسنت نيته… وجبت مودته]، إما في خلوص نيته في طاعته لله تعالى، فقبوله (عليه السلام): [من حسنت نيته كثرت مثوبته]، وفي مورد آخر قال(عليه السلام): [إحسان النية يوجب المثوبة] (١)، إذ نجد التعبيرين دقيقين في تحديد ثواب حُسن النية إذ جُعلت المثوبة الكثيرة، ولتحقيق الإحسان وجوب المثوبة، [فإن العطية على قدر النية](٤)، هذا ما يرتبط بالأثر الدنيوي، أما ما ورد من أثر أخروي هو في قوله(عليه السلام): [إن الله تعالى يدخل بحسن النية وصالح السريرة من يشاء من عباده الجنة] (١).
بالنتيجة الأمير (عليه السلام) يرينا الطريق لبلوغ الحياة الناجحة الطيبة ويعطينا أولى العادات التي تقوم بنائها بالشكل السليم وهي حُسن النية، لتثمر الثمر الوفير ولتتسم بكل طيب.
——————
اضافةتعليق
التعليقات