ماراثون كبير يشارك فيه أغلبنا للحصول على شهادة تؤيد وتثبت مؤهلاتنا العلمية، سباق يبدأ منذ المراحل المبكرة في المدرسة ولا ينتهي حتى بعد حصولنا على أعلى الشهادات، نهمٌ يدفعنا للمزيد والمزيد من هذه الأوراق التي ترفعنا درجات في العلم وتفتح لنا أبواب الخيارات المتعددة للوظائف الجيدة في الأماكن المرموقة، وهذا حق مشروع، بل العلم فرض وواجب، لكن عندما يتناسى البعض في أثناء هذا السباق أمرا جوهريا، والذي يعد الهدف الأساس من وراء عملية التعلم برمتها، ألا وهو الارتقاء السلوكي، والأخلاق التي تعتبر العلامة الفارقة للمتعلم، والحد الفاصل بينه وبين الجاهل، فهنا يكمن الداء العضال.
ومن المعلوم أن تقديم الشهادات أصبح بلا رقيب ولا عتيد، إذ تمنح لمن هب ودب عن طريق الشبكة العنكبوتية، وربما لمن يملك مالا أكثر ليجوب العالم ويلتقط الأوراق هنا وهناك، ويعود محملا بها، نافخا شدقيه، شامخا بأنفه أمام الملأ!.
فبئس علم لا يتجاوز لقلقة اللسان ولا يترجم فعليا على هيأة معاملة وأسلوب، وبئس علم يتعلمه المرء ليتباهى به لا ليعمل به، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: أوضع العلم ما وقف على اللسان.
وعن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله): من تعلم العلم ولم يعمل بما فيه حشره الله يوم القيامة أعمى (1).
إن معرفة حقوقك وواجباتك مظهر من مظاهر العلم النافع، واحترامك لمبادئ وقيم غيرك ممن يختلفون عنك أو معك هو شكل من أشكال استفادتك الفعلية من سنوات سعيك وراء المعرفة، وصونك لقداسة العلم يعني أن تطبق تعاليمه.
فحتى لو كنت البروفسور ذو الجثة الضخمة والصوت الأجش، أو الدكتور النابغة المتخرج في جامعات عالمية، أو تدربت في مؤسسات أجنبية وأتقنت لغتها، كل ما تحمله من شهادات لا يعني شيئا أمام لحظة أخلاق تزينك وتستر عورة جهلك المركب، فسوء الأخلاق خريف تتساقط فيه (أوراقك) لتعريك وتظهر معدنك الحقيقي، وحسنها ربيع يعيد الخضرة والجمال، و(لكل ذنب توبة إلا سوء الخلق، فإن صاحبه كلما خرج من ذنب دخل في ذنب).(2)
فكم قبيح أن لا تدري أنك لا تدري، وأن تقول ما لا تفعل فتغدو أضحوكة للمتعلمين الذين يبصرون شناعة التناقض بين فعلك وقولك، فليتك تعلمت من أبسط عامل نظافة كيف تطهر لسانك، وتكسح أوساخ روحك، وتزيل عنك الأنفة والخيلاء، وتتواضع ليرفعك الله تعالى حقا لا ورقا !.
اضافةتعليق
التعليقات