حينما تفرض الغربة سطوتها لابد أن يكون هناك من يدفع الثمن ولطالما كانت الزوجة في أغلب حالات الاغتراب هي الضحية الأولى في تلك الدوامة ليلتحق بها الأبناء إن رزقها الله بالذرية وبعدما تعيش في صراع الاختيار تفضل العودة لبلدها على المكوث في أرض أخرى بعيدة عن ذويها وأصدقائها..
(بشرى حياة) تنقلنا عبر سطورها لتجارب زوجات عدن إلى ديار الوطن بقلوب منكسرة:
الجانب الآخر
حدثتنا الطالبة الجامعية حنين جهاد قائلة: حينما قرر أبي أن نهاجر خارج العراق للمكوث في بلاد النمسا كانت الفرحة لا تسعني ظنا مني بأن حياة اخرى تنتظرني في الجانب الآخر.
مضيفةً: غير أني وجدت شيئا لم يكن في الحسبان فقد كانت الحياة هناك خالية من العلاقات الاجتماعية والتزاور إلا في المناسبات الخاصة وأحياناً يكون الحضور بدعوة، الأمر الذي جعلني أشعر بالوحدة القاتمة فضلًا عن قلة تواصلي مع الأصدقاء في الجامعة وذلك لأني مسلمة ومحجبة.
وبعد مضي عامين مرض والدي بمرض عضال ووافاه الأجل مما زاد حياتنا حزنا وشعوراً بالغربة أكثر، فقررت أمي أن نعود إلى الوطن فمن تبعته للعيش معه قد توفي وما عاد لها شيء هنا فغادرنا الديار لنعود إلى الوطن ونحن نحمل معنا نعش أبي.
مصير آخر
تسرد لنا هبة سالم/ تدريسية تجربتها قائلة: حينما قررت السفر والالتحاق بزوجي لم يكن في خاطري سوى أن التقيه ونكون عائلة يربطها الوئام وتسودها المحبة والألفة، إلا أني لاقيت مصيراً آخر هناك غير الذي رسمته في مخيلتي.
وتابعت: التقيت بزوجي بعد فراق دام أربع سنوات لأجده رجلا آخر لا أعرفه، كثير الخروج والسهر حتى أصبح يدعو رفاقه إلى بيتنا يتسامرون إلى حد الثمالة الأمر الذي لم أكن أعرفه فقد أصبح مدمناً على احتساء الخمر غير مكترث لصحته ولا لدينه حاولت بشتى الطرق اقناعه بالعدول عن تصرفاته والعودة إلى طريق الصواب إلا أنه لم يعرني أي اهتمام ومن هنا بدأت تتفاقم المشاكل بيننا حتى انتهى الأمر بالطلاق ثم غادرت المهجر عائدة إلى موطني بقلب منكسر.
فيما قالت رنا وهو اسم مستعار: ما عشته في المهجر كان كابوساً بالنسبة لي إذ بدأت حياتي تخرج عن السيطرة فحينما كبر الأبناء بدأت تتأثر أفكارهم بالعادات والتقاليد الغربية متناسين عقائدنا الاسلامية ومهما حاولت أن أعيدهم إلى رشدهم وتوجيههم أجد نفسي في دوامة التمرد وما زاد الطين بله هو أن والدهم كان يؤيدهم .
واضافت: حينما دخل ابني البكر برفقة صديقته اصابتني صاعقة ذهول ورحت اتخيل اليوم الذي تفعل ابنتي الامر نفسه، كما ان القانون هناك لا يسمح لي بتوبيخهم باي طريقة معتبرين ذلك تعدياً على حريتهم الشخصية.
طلبت من زوجي العودة للحفاظ على أبنائنا من الانجراف خلف هذه العادات خصوصا بعد ترك ابني البيت ليعيش وحده ليزورنا بين الشهور إلا أنه رفض بشكل قاطع لنصل بعدها إلى الانفصال بالتراضي والمساواة بعدما أترك ولداي معه وأصطحب معي ابنتي الصغيرة.
ختمت حديثها: عدت إلى الوطن وقلبي يقطر ألما فقد تبددت عشرة تسعة عشر عامًا أمام عيني وكأنها لم تكن فضلًا عن خسارتي لزوجي وولداي بسبب المهجر.
حرية الفرد
وشارتنا الاستشارية نور الحسناوي حول حيثيات هذا الموضوع قائلة: الانتقال للعيش في بلاد أخرى خصوصا إذا كانت أوربية يكون له تبعات ليس من السهل تخطيها خصوصا إذا التحقت الأسرة بالأب في بلاد الغربة، حيث يتوجب على رب الأسرة السيطرة على العائلة والحفاظ على العادات الشرقية وأهمها العقائد الدينية والاتفاق على ذلك مع الزوجة ليكون التوجيه بينهم مشتركا حتى لا يفقدان زمام الأمور.
وتابعت: ومن أهم معززات الالتزام الأخلاقي والديني هو التواصل مع العوائل المسلمة المغتربة وحضور الجوامع والأماكن التي تؤدي المناسبات الدينية وغيرها من الطقوس المشابهة.
كما على الأبوين متابعة الأبناء بشكل دؤوب في اختيار الأصدقاء وتواجدهم في الأماكن الترفيهية المناسبة.
وأعربت الحسناوي عن أسفها لانجراف الكثير من العوائل خلف عادات الغرب والابتعاد عن عقائدنا الاسلامية تحت مسمى حرية الفرد وهذا ما يقود إلى التفكك الأسري لتنتهي أغلب حياة المغتربين بالانفصال.
وأضافت: إن المقبلين على رحلة الاغتراب يحتاجون إلى الاستعانة بمراكز الارشاد والتوجيه الأسري لمعرفة سبل الحفاظ على مبادئهم من زعزعة كيانهم الأسري، وفي حقيقة الأمر أرى أن التفكك الأسري لم يعد فقط في بلاد المهجر بل انتقل إلى جميع البلاد العربية المسلمة عبر مواقع التواصل من خلال الشبكة العنكبوتية، وهذا ما ينذر بخطر محتم والله المستعان.
اضافةتعليق
التعليقات