عند تصفح القصص الخاصة بالانستغرام أو الفيس بوك وغيرها من مواقع التواصل الاجتماعي نجد أن مشاعر الإحباط وغيرها من مشاعر السعادة تأخذ أكبر من حجمها فأكثر من خمسة عشر قصة حول وردة مهداة من احدى الصديقات، أو عشرات القصص حول ضياع دفتر معين أو درجة امتحان قليلة أو قضية رأي عام بسبب صوت رفعته معلمة على طالبة مذنبة، وغيرها من الأمور التي عندما يقف عليها أبناء الأجيال السابقة يضحكون منها، بل وبعضهم يعتبرها دلال مفرط.
جيل رقائق الثلج هكذا أطلق عليهم العلماء حديثا وهذه التسمية تُطلق على الطبقة الوسطى وما فوقها، فالطبقاتْ القابعة تحت خط الفقر أو فوقه بقليل لا تنال منهم الهشاشة النفسية لأنهم لا يجدوا وقتا لها أو التفكير فيما يُقال عنهم، هم فقط يشاهدون هذه الطبقاتْ في شاشات هواتفهم.
هذا الجيل يعاني من تضخيم الألم فقد قال المؤلفان جريج لوكانيوف وأستاذ علم النفس هايدت في كتابهما (تدليل العقل الأمريكي) فذكرا أن شباب وفتيات اليوم يضخمون أي مشكلة في حياتهم إلى درجة تصويرها بوصفها كارثة وجودية، وهذه العملية عبارة عن حالة شعورية تعتريك عند وقوعك في مشكلة تجعلك تؤمن أنّ ما حدث لك أكبر من قدرتك على التحمل، فتشعر بالعجز والانهيار عند حدوث المشكلة وتصف المشكلة بألفاظ مبالغ فيها لا تساوي حجمها الحقيقي، وإنما هي أوصاف سلبية لا وجود لها إلا في مخيلتك فتزيد معاناتك فقط مع إنها ليست كذلك في الواقع.
هذا التضخيم يشعرك بالتحطم وإنها هذه المشكلة لا تستطيع أن تقوم منها إلا بالكثير من العلاجات المهدئة وغيرها من الأوهام وإنك المبتلى الوحيد بها ولن يفهمك أحد، وفي أجواء من السلبية لسبب لا يعدو أن يكون روتينا يوميا في حياة بقية الناس.
هذه الظاهرة التي جذبتْ العلماء لدراستها ومعرفة أسبابها لأنها تتفاقم وبصورة خطرة، من إحدى القراءات لهذا الجيل أنه لا يريد أن يكبر بمعنى إنه يرفض تولي مسؤوليات مرحلة الرشد ويظل طفلا حتى يصل إلى أول صِدام حقيقي مع مشاكل الحياة فينهار وسُميتْ بمتلازمة (بيتر بان) وهي تصرف الشباب بشكل غير مسؤول أمام واجباتهم الحياتية، ورغبتهم في الهرب من أي ثقل ما يجعلهم أطفالا كبار في المجتمع.
الكثير من التجارب الواقعية تثبتْ بأنها انعكاس طبيعي لما يفعله الأهالي من توفير كل ما يحتاجه الطفل بل هم يقومون بكافة شؤونه حتى يعتاد على حيازة كل ما يريده وبالتالي أي نقص لديه يعتبره مشكلة عظيمة، وهذا السلوك الخاطئ في التربية والذي اتجه إليه الكثير من العوائل بحجة ضمان حياة مرفهة لأطفالهم وما داموا يستطيعون توفير كل شيء لماذا يحرمونهم، لذلك من هنا يتم فقدان السيطرة عليهم ويبدأ ذلك بشكل واضح عند عمر الخامسة ثم يستمر مع الطفل إنْ تم اتباع نفس الأسلوب والاستمرار به يقود إلى مراهق هش ثم شاب لا يمتلك شيء من الحماية على المستوى النفسي، وقد حدد العلماء هذه الظاهرة عند مواليد 1997 وما دون.
فمن الضروري انتباه الآباء لطريقة تربيتهم وتعاملهم مع أطفالهم لأن المجتمع يوما بعد آخر يدخل في غيمة سوداء من الأمراض النفسية دون الحاجة إليها.
اضافةتعليق
التعليقات