اكتسب مفهوم "الثأر" صبغة مُقدَّسة في الإسلام بإضافته إلى الله سبحانه وتعالى كما في (ثار الله)، بعدما كان هذا المفهوم في الجاهلية تثيره نوازع العصبية والإنتقام والتشفي القبلي.
وردت حوله عدة صيغ مشتركة في مراثي العترة الطاهرة صلوات الله عليهم مثل:
(ثار الله، ثأرك، ثأري)، ،كما جاء في زيارة "العيدين" و"عرفة" و"عاشوراء" المشهورة وغير المشهورة (السلام عليك يا ثار الله وابن ثاره السلام عليك يا وتر الله الموتور في السماوات والأرض).. (فأسأل الله الذي أكرم مقامك وأكرمني بك أن يرزقني طلب ثارك مع إمام منصور من أهل بيت محمد صلى الله عليه وآله وسلم).. (وأن يرزقني طلب ثاري مع إمام مهدي ظاهر ناطق منكم). "(اللّهُمَّ اجْعَلْنا مِنَ الطّالِبينَ بِثارِهِ مَعَ اِمام عَدْل، تُعِزُّ بِهِ الاْسْلامَ وَاَهْلَهُ يا رَبَّ الْعالَمينَ)..
وقيل في معنى "ثارَ اللهِ وَابْنَ ثارِهِ": (إنَّ الحسين عليه السلام هو ثار الله كما أنَّ أمير المؤمنين عليه السلام أيضًا ثار الله، ولكن ثار عليٍّ عليه السلام قد تجسَّد في ابنه الحسين عليه السلام فصار الحسين هو (ثار الله وابن ثأره).
وقال العلاّمة المجلسي رحمه الله في قول (أبي عبدالله صلوات الله عليه إذا دخلت الحائر فقل": ..وأنَّكّ ثَأْرُ اللهِ في الأَرضِ مِنَ الدَّمِ الَّذِي لا يُدْرَكُ ثَأْرهُ مِنَ الأرْضِ إلاّ بِأولِيائِكَ..) الثأر بالهمز الدم وطلب الدم، أي أنك أهل ثار الله والذي يطلب الله بدمه من أعدائه، أو هو الطالب بدمه ودماء أهل بيته بأمر الله في الرجعة، وقيل: هو تصحيف ثاير والثاير من لا يبقى على شيء حتى يدرك ثاره. ثم اعلم أن المضبوط في نسخ الدعاء بغير همز والذي يظهر من كتب اللغة أنه مهموز ولعله خفف في الإستعمال، بحار الأنوار، العلامة المجلسي ج ٩٨ ص ١٥١، كما أفادنا جعفر بن محمد بن قولويه في" كامل الزيارات" 218 " أن معنى (يا وِتْر الله الموتور»: هو الفرد المتفرّد في الكمال من نوع البشر في عصره الشّريف، أو المراد ثأر الله كما مرّ، أي الّذي الله تعالى طالب دمه. (ملاذ الأخيار) وقوله: «يا ثأر الله» بالثّاء المثلّثة والهمزة، بمعنى طلب الدّم، حُذف المضاف واُقيم المضاف إليه مقامه، يعني: يا أهل طلب الدّم، أي تطلبون بدمكم. (الوافي). وأوردنا له معنى آخر في ص194. وقيل سيد الشهداء عليه السلام هو "الوتر الموتور". وقال الفيروز آبادي: "الموتور الذي قتل له قتيل فلم يدرك بدمه".
وقيل "ثار الله وابن ثأره "أن الثأر أي الدم والإضافة تشريفية، وما تقول "بيت الله" و"روح الله" و"وجه الله" و"قتيل الله" ،أي أنت الذي الله - عَزّ وجَلّ - يثأر بك.. أي بسبب هذا الدم الذي أريق يوم عاشوراء..
كما شهد الإمام الصادق في زيارته مخاطبًا جده سيد الشهداء الحسين صلوات الله عليهما (أشْهَدُ أنَّ دَمَكَ سَكَن في الخُلُدِ، وَاقْشَعَرَّتْ لَهُ أظلَّةُ العَرْشِ، وَبَكى لَهُ جَميعُ الخلائِقِ) وفي مكان آخر (ضَمِنَتِ الأرْضُ وَمَنْ عَلَيها دَمَكَ وَثَأْرَكَ) كامل الزيارات - جعفر بن محمد بن قولويه – ص ٣٦١، وعن الإمام زين العابدين عن أبيه عليهما السلام يقول (يا ولدي يا علي، والله لا يسكن دمي حتّى يبعث الله المهدي، فيقتل على دمي من المنافقين الكفرة الفسقة سبعين ألفاً).
فلا غرابة في ذلك فقد بكاه الكون كله بعد مقتله، فما رفع حجر ولا مدر، إلّا وجد تحته دما عبيطا، كما تسابقت على خدمته جميع ملائكة السماوات والأرض، ولازالت أربعة الآفٍ من الملائكة ماكثين عند قبره الشريف، شُعثٌ غُبرٌ يبكونه، ويلعنون قاتله، ويستغفرون لزواره، ينتظرون قيام القائم ونصرته.
فأول شعارٍ سيعلنه صلوات الله عليه في زمن ظهوره الشريف وهو مستندٌ إلى جدار الكعبة والحطيم كما يُذكر هو: (ألَا يا أهل العالم إن جدي الحسين قتلوه عطشانا)!
فقد أزيلت حرمة "سيد الشهداء" "الحسين" "سبط رسول الله صلى الله عليه وآله"، في كربلاء، ولم يراع فيه إلاًّ ولا ذمَّة، مع ما للنفس من حرمة واعتبار محفوظ عند الله تعالى، وتجرأوا على قتله، والتمثيل ببدنه الشريف على شر تمثيلٍ يعجز البيان عن وصفه، حيث أريق دمه ظلمًا وعدوانًا، وقُطع منه الوتين ونحر كما ينحر الشاة، وصعدت خيولهم الملعونة "خيول بني أمية" بحوافرها على صدره المبارك، طحنته طحنًا وهو حيٌ بأبي وأمي، يستغيث بهم فلا مغيث، ولا ناصر، حتى لفظ آخر أنفاسه الزكية، هذا فضلًا عن سبي حريمه وعترته من بلد إلى بلد مع استخدام شتى صنوف المهانة والشماتة والضرب القاسي معهم في كربلاء ومسير الكوفة والشام من قبل يزيد وجلاوزته الملعونين.
مع أن مسألة نصرة المظلوم والمستضعف عند أهل البيت صلوات الله عليهم مهمة ومعتبرة، كما في الدعاء (وَبِكُمْ يُدْرِكُ اللهُ تِرَةَ كُلِّ مُؤمِنٍ يُطْلَبُ، أي دم قتيله وكلّ تبعة له على غيره وزاد في الفقيه: «ومؤمنة». (الوافي) وفي بعض النّسخ: «ترة كلّ مؤمن بطلت» أي دم كلّ مؤمن بطلت ولم يؤخذ له القصاص. وفي الكافي: «ترة كلّ مؤمن يطلب ها») كامل الزيارات ص219.
وكما تألم أمير المؤمنين صلوات الله عليه وبكائه على نساء الأنبار المسلمات والمعاهدات(أي المرأة اليهودية والنصرانية المسيحية والمجوسية)، عندما سمع أن جنود معاوية دخلوا عليهن واخذوا منهن الحلي والذهب فقال (فَلَوْ أَنَّ امْرَأً مُسْلِماً مَاتَ مِنْ بَعْدِ هَذَا أَسَفاً مَا كَانَ بِهِ مَلُوماً بَلْ كَانَ بِهِ عِنْدِي جَدِيراً)، "من خطب نهج البلاغة: الخطبة السابعة والعشرون"، وكما قال الإمام علي بن الحسين زين العابدين صلوات الله عليهما (لو أنَّ عبدًا زنجيًا تعصَّب لنا لوجب على الناس مؤازرته). مستدرك سفينة البحار - الشيخ علي النمازي الشاهرودي - ج ٧.
فكيف بما فعل ما فعل بالحسين صلوات الله عليه، وهو أعظم قدسية ومنزلة من أي فرد، سيما وهو من خرج مطالبًا بالإصلاح في دين جده، ألَا يحق لابنه المهدي "بقية الله" أن يطلب بدم جده في مَن قتله، وفي مَن بقي يشايع ويتابع ويرى الحق والصواب عند قاتله يزيد، خاصة وهو من صرح في دعاء "العهد" وفي زيارة "الناحية المقدسة": "فأخرجني من قبري مؤتزرًا كفني شاهرًا سيفي مُجرِّدًا قناتي مُلبّيًا دعوة الداعي"..، (وإن أخرتني الدهور، وعاقني عن نصرك المقدور، ولم أكن لمن حاربك محاربا، ولمن نصب لك العداوة مناصبا، فلأندبنك صباحًا ومساءً، ولأبكين لك بدل الدموع دمًا).
وإن عدل المهدي في قتل هؤلاء أو قتل ذراريهم فهو محق، لأن الراضي والقاتل عند الله تعالى شريكان في القتل"...، كما في تأويل الإمام أبي عبد الله الصادق صلوات الله عليه للآية الكريمة {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۗ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ ۖ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا} أي (أنها نزلت في الحسين عليه السلام، ولو قتل أهل الأرض به ما كان سرفا)(الكافي ج8 ص255 الرواية364 باب8).
بقرينة ما قاله رسول الله صلى الله عليه وآله "من أحب قومًا حشر معهم، ومن أحب عمل قوم أشرك في عملهم".. (مستدرك الوسائل، ميرزا حسين النوري الطبرسي، ج12، ص108).. أليس عاقر ناقة ثمود رجل واحد، فلما عمّهم الله تعالى كلهم بالعذاب الأليم؟.
إذن سيبقى دم "الحسين" وادعاً في الخلد، تقشعر له أظلة العرش، وستبقى "عاشوراء" فريدة من نوعها، خالدة في ذاكرة الإنسان والزمن، متجددة في عطائها كل عام، كما صرحت بذلك "سيدة البلاغة" السيدة زينب صلوات الله عليها في خطبتها "العصماء" (وينصبون لهذا الطفّ عَلَمًا لقبر أبيك سيد الشهداء، لا يُدرَس أثره ولا يعفو رسمه على كرور الليالي والأيام. ولَيَجتهدنّ أئمة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه فلا يزداد أثره إلّا ظهورًا ، وأمره إلا علوًّا) بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٢٨ - الصفحة ٥٧.
وحتى قيام الموعود "الثائر" المنصور" "المنتقم" "المهدي" "المطالب" بدم جده عاجلًا إن شاء الله.
اضافةتعليق
التعليقات