ها قد أقبل علينا شهر المحرم الحرام من جديد ليعيد ذكرى أبشع جريمة في تاريخ الانسانية، لما حدث فيها من انتهاكات وتمثيل بأجساد الشهداء وقطع الرؤوس ألا وهي واقعة (الطف) فقد جمعت هذه الواقعة في مشاهدها قتل خير خلق الله الإمام الحسين عليه السلام وانتهاك الكمال الإنساني الذي اهتزت له عرش السماء.
إن لهذه المناسبة وقع أليم في نفوس شيعة ومحبي أهل البيت عليهم السلام، لذا يستقبلون هذه الذكرى في كل عام استقبالا خاصا ويستذكرون هذه الحادثة المفجعة بجميع مراسيم الحزن من اللطم على الصدور والبكاء وإحياء الشعائر.
يختلف شهري محرم وصفر في نفوس محبي وموالي أهل بيت النبوة عليهم السلام، تكون الأجواء مهيأة لرقة القلوب واشاعة روح التعاون والمحبة والإخاء، تشيع بينهم روح التسامح والتضحية والكرم، تنصب المواكب الحسينية في جميع الأماكن وتصرف عليها التكاليف الباهضة بروح تملأها المحبة والتآخي ويجتمعون جميعهم لاتمام واكمال الشعائر في هذه الأيام على أتم وجه وبأحسن صورة دون ملل أو كلل غايتهم الوحيدة هو حب الإمام الحسين عليه السلام.
ولكن السؤال: هل تتأثر العقول بهذا الشهر أم فقط النفوس تتغير وبانتهاء هذه الأجواء يعود كل شيء كما كان؟ هل يدرك كل شخص مدى التغيير الذي يجب أن يحصل عليه بعد شهري محرم وصفر؟
يؤسفني أن يكون الجواب، أن النفوس والمشاعر هي التي ترق وتتغير في هذا الشهر الجليل ولكن العقول تبقى هي هي بدون أي تغيير أو اضافة.
إن هذه الأهمية الكبرى التي حظيت بها واقعة الطف في كربلاء، والتي تتجدد في العاشر من محرم من كل سنة - رغم تعاقب الزمان عليها- تلقي على عاتقنا مسؤوليّة خاصّة في كيفيّة التعاطي مع هذه الحادثة الاستثنائيّة، من حيث المضمون، أو المنهج، أو التحليل والدراسة، أو الاستفادة على صعيد الدروس والعبر.. أو غيرها من الجوانب..
فقضية الإمام الحسين عليه السلام هي عِبرة وعَبّرة، ففي ثورته عليه السلام سُجلت أروع صور التضحية والفداء والجود بالنفس ضد الظلم والطغيان لترسيخ وتثبيت المبادئ الانسانية.
رسالته عليه السلام مشرقة وتحمل جميع معاني الكمال الإنساني والأخلاقي. فقد انتصرت أهداف الإمام الحسين (عليه السلام) في ثورته الخالدة، وانتصرت مبادئه العظيمة، وظلّ مثالاً خالداً للكفاح المقدّس يطارد الظالمين والطُّغاة في كلّ عصر وزمان.
نحن نتناسى قضية العِبرة من ثورة الإمام الحسين ونتجه نحو العَبّرة فقط، لاضير من الدموع ورفع رايات الحزن واتمام جميع المراسيم ولكن يجب أن لا نتغافل عن المضمون الحقيقي لواقعة الطف المضمون الأخلاقي والسياسي والتربوي والديني وهذه المهمة تقع على عاتق خطباء المنابر الحسينية.
في محرم الحرام تكون نفوس المواليين مهيئة لاكتساب المعلومة ومهيئة للاستماع إلى خطباء المنابر وحضور المجالس الحسينية لإحياء المراسيم وشعائر الحزن ويكون التردد بصورة شبه يومية سواء الرجال أو النساء للاستماع إلى الخطباء وهي من إحدى وأهم الشعائر الرصينة خلال شهر محرم.
ولكن أغلب الخطباء في المجالس الحسينية يكون تركيزهم على السبي والقتل في قضية الإمام الحسين عليه السلام، وسرد واقعة الطف التي باتت معروفة للجميع وحتى طريقة الطرح نفسها في كل عام، إن المواضيع التي تطرح مكررة ومحفوظة عند المستمعين رغم الحضور الغفير من قبل الموالين في كل عام.
ويكونون على أتم الاستعداد لتقبل المعلومة من الخطيب ونفوسهم خاشعة قانعة راضخة لاستقطاب جميع المعلومات من قبل الداعية أو الخطيب. ولكن مع الأسف أغلب خطبائنا لايستغلون هذا التهيئ الروحي والنفسي لطرح مواضيع مفيدة تستقطب عقول الشباب مواضيع تبين كيف أن قضية الحسين هي قضية كل زمان ومكان، وأن ثورة الإمام الحسين عليه السلام مستمرة إلى يومنا هذا على نفس الطريق والمنوال ليومنا هذا.
إن التركيز خلال الخطب على جانب المظلومية لأهل البيت فقط يضعف القضية الحسينية عند الناس وبالذات الأجيال الشابة التي تربت على نفس القصص، أجيالنا الشابة ثائرة جدا ولكن بدون ترويض تذهب خلف شخصيات عالمية لتجعل منها قدوة لهم في حين هم لديهم شخصية ثورية ثائرة على الظلم والطغيان لن يكررها التاريخ أبدا، شخصية ذو أخلاق نبيلة وقيم عالية. لكن هذه الشخصية لا تطرح بصورتها المثالية.
أتمنى من خطباء المجالس الحسينية أن يجعلوا المنبر الحسيني كلمة حق ناطقة ونقطة تحول مفصلية لكل من يجلس الاستماع تحتها، ليستغل الخطيب الأعداد الكبيرة التي تتوافد في هذه الأيام المباركة لتوضيح الصور الإنسانية والقيم والمبادئ الاخلاقية التي انطلق منها الإمام الحسين عليها السلام وربطها بواقعنا الحاضر وكيفية التصرف وفق منهج الإمام الحسين (عليه السلام). لنجعل من شهر محرم الحرام شهر تغيير للعادات السيئة، شهر البدايات الصحيحة، شهر المصارحة مع النفس، شهر تنقية العقول وتغيير ما تطبعت عليه النفوس.
اضافةتعليق
التعليقات