الصداقة من أجمل الأشياء في الحياة، وهي تتربّع على عرش العلاقات الإنسانية، لما فيها من صدق المَشاعر وجمالها، وما فيها من تضحيةٍ ووفاء، لكن في بعض الأحيان ينقادُ الإنسان لعمل صداقاتٍ مع أشخاصٍ غير أسوياء، يُدمّرون حياته ويجرّونه للضياع، ويوقعونه في الكثير من المشكلات، خصوصاً أنّ الصداقة من الأشياء التي تؤثّر في شخصية الإنسان تأثيراً قوياً.
يُحذِّر الشارع الإسلامي من أن ينجرّ الصديق نحو صديق السوء، لأنه يقود صاحبه ليفعل نفس فعله، ويكتسب من صفاته السيئة، لذا على كل شخصٍ أن ينتقي أصدقاءه بحذرٍ شديد، وأن يختار الصّديق السويّ منهم، ويبتعد عن صديق السوء، الذي لا يأتي منه أيّ خيرٍ أبداً.
نتعرض لتعداد أصدقاء السوء الذين ينبغي الابتعاد عنهم وعدم إقامة علاقات معهم لأنهم لا يجرّون إلى الخير والصلاح بل إلى الشر والفساد وهذا الصنف أشير إليه في الكتاب الكريم بقوله تعالى: ﴿يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا* لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ...﴾(الفرقان:28-29). وهم بحسب ما استفدناه من الروايات الشريفة كالتالي:
1ـ الفاسق..
فقد ورد عن الإمام زين العابدين عليه السلام أنه قال لولده الباقر عليه السلام: "يا بني انظر خمسة فلا تصاحبهم ولا تحادثهم ولا ترافقهم في طريق...". إلى أن قال عليه السلام: "وإيّاك ومصاحبة الفاسق فإنه بايعك بأكلة أو أقلّ من ذلك" الخصال ج1 , ص80.
2ـ الفاجر..
فقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: "لا تصحب الفاجر فيعلّمك من فجوره". ثمَّ قال عليه السلام: "أمرني والدي بثلاث ونهاني عن ثلاث، فكان فيما قال لي: يا بنيَّ من يصحب صاحب السوء لا يسلم، ومن يدخل مداخل السوء يتّهم، ومن لا يملك لسانه يندم" بحار الانوار ج 71 , ص196.
3ـ الأحمق الكذّاب..
فقد جاء في الحديث عن الامام علي عليه السلام: "إياك وصحبة الأحمق الكذّاب، فإنه يريد نفعك فيضرّك، ويقرّب منك البعيد، ويبعّد منك القريب، إن ائتمنته خانك، وإن ائتمنك أهانك، وإن حدّثك كذّبك، وإن حدّثته كذّبك وأنت منه بمنزلة السراب الذي يحسبه الظمان ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً" بحار الانوار ج71, ص193.
إن هذه الأخطار الأخلاقية والعواقب السيئة التي عدّدها الحديث من قبيل الإضرار والخيانة والإهانة والتكذيب هي كافية للردع عن معاشرته ومعرفة أن مصير العلاقة معه هو الفشل لأنها تكون هدّامة لا بنّاءة ومؤدية إلى الانحطاط لا الإرتقاء من خلال الآثار الملموسة لهذا النوع الفتّاك بل القاتل من الناحية المعنوية إضافة إلى المادية.
4ـ صاحب الغاية الدنيوية..
والمراد به الذي يصحبك ليستفيد منك مالاً أو جاهاً أو غير ذلك من الأطماع التي لا تجعل تلك الصحبة قائمة على أساس التقوى وليس فيها الصدق والإخلاص. وهو الذي سرعان ما يتخلى عن تلك العلاقة حينما يصل إلى هدفه منك. فقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: "إحذر أن تواخي من أرادك لطمعٍ أو خوفٍ أو ميلٍ أو للأكل والشرب، واطلب مواخاة الأتقياء، ولو في ظلمات الأرض، وإن أفنيت عمرك في طلبهم" ميزان الحكمة ج1 , ص44. وقد صوّر أحد الشعراء ذلك حينما قال:
إذا قلَّ مالي فما خِلٌّ يصادقني... وفي الزيادة كلّ الناس خِلاّني
كم من عدوٍّ لأجل المال صادقني... وكم صديقٍ لفقد المالِ عاداني
وقال آخر:
المرء في زمن الإقبال كالشَّجَره... والناس من حولها ما دامت الثَّمَره
حتى إذا راح عنها حملها انصرفوا... وخلّفوها تعاني الحرّ والغَبَره
5ـ متتبع العيوب..
عن أمير المؤمنين عليه السلام: "إيّاك ومعاشرة متتّبعي عيوب الناس، فإنه لم يسلم مصاحبهم منهم" غرر الحكم, ص334.
6ـ مزيّن المعصية..
سئل أمير المؤمنين عليه السلام: أي صاحب شر؟ قال:"المزيّن لك معصية اللَّه" الامال, ص 472.
يروى أنه كان هناك تاجراً في بلد ما ولديه ولد واحد فقط وقد اغدق عليه الحنان والأموال ولم يُقصر في حقه شيء أبدا وما أن كبر ولده وصار له أصدقاء يسرح ويمرح معهم أخذ أبوه بنصحه المرة تلو الأخرى لأنه رأى أبنه بدأ بالابتعاد عن طرق الصواب بسبب أصدقائه الذين كانت صداقتهم لمصلحة معينة وهي كسب الأموال منه, وفي يوم من الأيام أحس ذلك التاجر بأن أيامه قليلة نادى ولده ونصحه ولكن كان جواب ابنه الاستهزاء به وبكلامه وخرج مع أصدقائه الذين كانوا يهمسون في أنه أن تخلص من أباك وامتلك أنت ثروته, قام الأب ببناء بيت ووضع فيه من الثروة التي يمكن أن يستفيد منها ولده بعد وفاته لأنه كان يعلم أن أصدقائه سيتركونه حال افلاسه من الثروة.
قبل وفاته نادى ولده ونصحه بالابتعاد عن أصدقائه المعروفين بسوء الأخلاق وأخذ منه وعداً بعدم بيع ذلك البيت إن نفذت ثروته. ورحل الأب إلى العالم الآخر واستمر ابنه بالترح والمرح مع أقرانه إلى أن انتهت تلك الثروة بسبب الفجور والأعمال غير الصالحة التي كان يعملها مع أصدقائه فوجد نفسه في الشارع وقد تخلى عنه الجميع.
عندها تذكر ذلك البيت الذي أخبره به ولده قبيل وفاته فذهب إلى هناك ووجد أن أباه ترك له رسالة يخبره فيها أنه سيأتي اليوم الذي يتخلى عنك أصدقاء السوء ووجده تاركاً له ثروة فأخذها وعمل بها وأصبح تاجراً مثل أبيه وعندما علم أصدقائه بذلك عادوا إليه ولكنه أدرك أن صحبتهم لم تكن لذاته بل من أجل مصالحهم فكان جوابه لهم أن طردهم من حياته..
إن مثال هذه الصحبة هو صحبة للغاية الدنيويهةالتي نهى عنها الأئمة عليهم السلام كما أشرنا في حديث سابق وهو ما ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): "احذر أن تواخي من أرادك لطمعٍ أو خوفٍ أو ميلٍ أو للأكل والشرب، واطلب مواخاة الأتقياء، ولو في ظلمات الأرض، وإن أفنيت عمرك في طلبهم".
الدين الإسلامي دين عشرةٍ وليس دين عزلةٍ ورهبنةٍ. وهو ينظر إلى الروابط البشريّة نظرة اهتمامٍ وتقديس. وهناك وصايا كثيرة بشأن الصداقة وانتخاب الصديق لما للصداقة من أثرٍ عميق على حياة الإنسان.
فالصديق له أثرٌ بالغ على صديقه فكرياً وعملياً وأخلاقياً، لما طبع عليه الإنسان من سرعة التأثّر والانفعال بالقرناء والأخلّاء، ما يحفّزه على محاكاتهم والاقتباس منهم. لذا نرى أن التّجاوب قويّ بين الأصدقاء وصفاتهم سريعة الانتقال والعدوى فيما بينهم، وهي تارة تنشر مفاهيم الخير والصلاح، وأخرى مفاهيم الشر والفساد تبعاً لخصائصهم وطباعهم الكريمة أو الذميمة.
وفي الختام نذكر أن الصديق الوفي والحقيقي درة ثمينة يصعب الحصول عليها ويجب أن يكون الوفاء متبادلا من الطرفين ونية الصداقة الحقيقية متواجدة بينهم والاستعداد لمساعدة الآخر من كلا الجانبين والأهم من ذلك الصداقة لوجه الله لا لمصلحة أو مال فتلك أنجح أنواع الصداقات.
اضافةتعليق
التعليقات