إن كل الآباء المربين بلا شك هم يَبحثون عما يُساعدهم في تربية أبنائهم، ولعل في قول النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله): "لاعب ابنك سبعًا، وأدبه سبعًا، وصاحبه سبعًا ، ثم اترك له الحبل على الغارب"(١)، اختصار وإيجاز لخريطة واضحة المعالم، ومجزومة النتائج الطيبة لمن تتبعها وسار وفق خطواتها المرسومة، مع الاستعانة بالعلي الأعلى.
ففي السبعة الأولى قال النبي (صلى الله عليه وآله): [لاعب ابنك سبعًا]، أي أنه يحتاج هنا أن يوجد التآلف والود والارتباط الوجداني بحيث تتحقق سلاسة في العلاقة بينهما.
ثم قال (صلى الله عليه وآله): [وأدبه سبعًا]، فإن حصل التألف سَهُل التوافق، أي أن يَقبَل منه التأديب (التوجيه، والنصيحة) لأنه سيكون مُنجذب ومُحب له، ويعلم أنما هو يرشده لأنه يحبه، ولأجل أن يكون الشيء الأفضل في وجوده.
ثم قال: [صاحبه سبعًا]، فالمصاحبة تحتاج إلى صدق ومصداقية، يعني لا تكون هناك مداهنة لكي يحافظ على علاقة الود بينهما التي أسس لها في أول سبع سنين، فيتغافل عما يراه أو يصدر منه من أخطاء، لأنه لن يكون صاحبًا وفيًا ولا متحملاً لمسؤوليته تجاهه كمربي.
وبالمقابل لا يكون هناك نُصح شديد وحازم فيقول ملاحظاته بشكل جارح، ذلك الذي قد يوصله حد النفور! إذ أحيانًا يكون الكلام سليم ولكن الأسلوب أو النية غير سليمة، فقد يكون الأب الناصح صادق فيما يقول ولكن ليس لأجل ذلك الابن بالدرجة الأساس.
كأن يكون تأديبه لذلك الابن وما يقدمه من نصح لأجله هو [كأب] وليس لأجل الابن [كإنسان]، فهو ينبه عما لو صدر منه لن يكون هو كأب ممدوح أو فخور بنفسه وبتربيته أمام الآخرين!! بينما المطلوب أن يراه تكليف الله تعالى فيصاحبه بكل حالاته، ليأخذ بيده إلى كل خير وصلاح.
ثم ختامًا قال (صلى الله عليه وآله): [ثم اترك له الحبل على الغارب]، هنا -كما يبدو- ليس بمعنى الإهمال وإنما بمعنى أن يجعله يعيش حالة من الاستقلالية في اتخاذ القرارات والاعتماد على النفس في خوض تجارب الحياة، أن يراقبه ويتابعه ولكن مراقبة الذي يريد أن يرى جمال وحُسن ثمرته، لا تقييمها وتقويمها.
ففي المراحل السابقة كان تكليف الأب أن يبادر بالمحبة والتأديب وبالسؤال عما يحتاج ذلك الابن، والاستفهام عما يعاني أو يشكو ليقدم الحلول له.
أما هنا في هذه المرحلة من المفترض أن الابن وصل إلى مستوى أن يبادر هو بتقديم المحبة والتأدب في حضرة الأب ويكون له مصاحبًا، ولا يتوانى عن طلب المشورة، والعون متى ما احتاج.
لأنه أصبح شخصًا سويًا يعرف ما عليه وما له، يدرك ما يحتاجه وما يريده، ومتى يَطلب وماذا يُقدم، فالعلاقة قد توثقت، والاطمئنان قد استقر بينهما، والتربية قد اثمرت.
______
اضافةتعليق
التعليقات