إن المتتبع لموجة الرسوم المتحركة الموجهة للأطفال هذه الأيام وعلى مدى السنوات القليلة الماضية تنكشف أمامه سحائب محملة بغبار الأفكار المسمومة التي تنذر بمطر السوء على أجيال كاملة.
يستيقظ الطفل صباحا لتبدأ رحلة يوم جديد في (فرمتة) وإعادة تعبئة ذهنه بكل ما تلتقطه حواسه الغضة عبر وسائل متعددة كانت الأجهزة الإلكترونية أكثرها قوة وأسرعها تأثيرا لتتجسد في سلوكياته وأفكاره ومشاعره البريئة.
فمن مشاهد العنف التي لا تناسب المراهقين أو البالغين، إلى مشاهد انعدام الأخلاق متمثلة في شخصية بطل يهابه الجميع لينال ما يريده دون عناء، ناهيك عن السخرية من الآباء والمعلمين وكبار السن وغيرها، وتكريس هذه الشخصيات في الألعاب والملابس وحتى في طعام الأطفال في محاولة لإذابة القيم والمثل العليا بطرق محببة كدس السم بالعسل، مما يستدعي تشغيل زر التنبيه ومحاولة لملمة ما بقي من براءة مسفوحة على قارعة التطور المزعوم، ويبرز هنا سؤال مهم ألا وهو: على من يقع اللوم وما هي البدائل؟
إن شماعة التبريرات جاهزة ليعلق عليها الأعذار الواهية كل من تنصل من مسؤولياته اتجاه أطفاله، العمل، الوقت، التعب، جيل اليوم، مسؤوليات أخرى، وغيرها من الحجج التي تعاد كأسطوانة مشروخة حين نسأل لماذا يقضي طفلكم كل هذا الوقت أمام الشاشات الصغيرة والكبيرة؟.
لا أحد ينكر مسؤولية الوالدين في حماية فلذات أكبادهم، أما الجهات الأخرى المسؤولة فهي المؤسسات التعليمية والجهات الإعلامية، فكم من المدهش أن تنتج هذه الجهات عملا يضاهي هذا السيل العرم من الضخ الإعلامي عالي التقنية صورة وصوتا ونصا واحترافية، لماذا تجحظ عيون صغارنا أمام مشاهد قوة زائفة (لسبايدرمان وباتمان) ونحن نمتلك أنموذجا وأيقونة كعلي عليه السلام، لماذا يحفظ أطفالنا قصصا مختلَقة ولا تقرع طبول آذانهم بقصص شجاعته عليه السلام حين وتر صناديد العرب وقتل أبطالهم وناوش ذؤبانهم، لقد كانت شخصيته نادرة الوجود فهو من جمع في صفاته الأضداد من قوة ولين ورحمة وعذاب شديد، إن الأئمة عليهم السلام جميعا شموس مغيبة عن عيون الصغار لابد لنا من قشع السحب عنها برياح التغيير ووضع هدف متميز، وكما قيل (يد واحدة لا تصفق)، وباب البديل الناجع ينتظر من يدقه من كتّاب يسطرون النصوص المبسطة، ورسامين يبدعون في نقل صور مُبهرة تسترعي انتباه الأطفال، ومصممين، ومحركي رسوم متفوقين، ومخرجين، وفنيين، وكل من يمتلك الإبداع في هذا المجال لخلق وثبة نوعية يشار لها بالبنان لينعم الصغار بجو صحي خال من الملوثات البصرية والفكرية والأخلاقية.
أما إذا ترك الحبل على غاربه فإن المستقبل لا يبشر بخير، من تدهور صحي ونفسي وأخلاقي وعملي ينبئ بقنابل موقوتة مزروعة في بيوتنا تنتظر الوقت المناسب لتنفجر بكل ما حُمّلت من تراكمات.
اضافةتعليق
التعليقات