ظاهرة تنذر بالخطر، وتهدد البناء الأسري بالصميم، وتحيل حياتنا العائلية إلى جو ساكن تسوده الغربة واللامبالاة والإنطوائية.. قد تكون ظاهرة ليست بالجديدة، لكنها تسترعي الإنتباه وتستدعي التدخل عاجلا لإيقاف عجلة التردي نحو التفكك والإنهدام.
نعم هي ظاهرة الإدمان على الجوال، والجلوس لساعات متواصلة مع هذا الكائن الذي يأخذك إلى أقاصي الأرض لتستكشف أشياء لم تكن تعرفها ولم تمر بها في حياتك بل قد تكون دخيلة على ثقافتك وقيمك، فتبدأ رحلة غسيل المخ من حيث لا تشعر، فتنساق شيئا فشيئا وراءها وتصبح أسيرا لها.. وهنا يحدث الإدمان.
ليس خطئا أن نتعرف على ثقافات أخرى، وليس معيبا أن ننفتح على عوالم وبلدان لا نتفق وإياها عقائديا، لكنّ الخطورة حين ننبهر بتلك الثقافات إلى حد التماهي، متناسين أننا نمتلك ثقافة القرآن، تلك الثقافة التي ترفع الإنسان وتغطي كل احتياجاته لبلوغ القمة والعظمة والسكينة والسعادة.
فنحن الأمهات مسؤولات عن أبنائنا وبناتنا، لأننا أكثر قربا بهم بحكم احتكاكنا بهم طوال النهار، يحز في نفوسنا أن نجد أولادنا منغمسون في هذا الجهاز إلى حد الإدمان، وأخص الشباب منهم، فهم لا يمتنعون عن الدخول الى كل المواقع يقودهم الفضول إلى استكشاف كل شيء جديد، وهنا تحدث المفارقة التي نخشى منها على أبنائنا.
وبما أننا نعيش الإنتكاسة في أوطاننا بسبب السياسات الخاطئة لحكوماتنا.. فالبطالة في أوجها، والفساد المستشري في كل الدوائر والمؤسسات إلا ما رحم الله، وحالات اليأس من الإصلاح تسود في النفوس وحالات المحسوبية والواسطة تتحكم في مرافق التعيينات، تخلق بمجموعها حالة من الإحباط في نفوس هذا الجيل، وهنا يقوم بالإنفتاح على ثقافات غربية تستميله بأفكار عناوينها التحضر والتقدم والعدل فينساق إليها من حيث لا يشعر.
فيما مضى كانت المدرسة هي بيتنا الثاني، تُعلّمنا السلوك وحسن الإنصات وثقافة احترام الأبوين والعطف على الصغير وممارسة حياتنا وفق منهج القرآن والتحلي بأخلاق الأنبياء والأوصياء.. أما اليوم ومع غياب دور المدرسة في ظل جائحة كورونا أصبح ليس بالإمكان تهذيب أبناءنا وتربيتهم بالشكل الذي نطمح إليه.. وهنا يحدث فراغا هائلا في بنية الجيل الجديد، وقد يؤدي هذا الفراغ إلى السماح بدخول ثقافات إلحاديّة تسلب منهم إيمانهم بالله والدين..
تقول إحدى الأمهات: كنت أرى ابنتي الشابة تدخل إلى مواقع كثيرة لكن أغلبها يتحدث باللغة الإنجليزية فقلت لها: لماذا تستمعين ياابنتي إلى محاضرات أجنبية ولا تستمعين إلى محاضرات عربية؟ فأجابتني على الفور: هؤلاء يفهمون أكثر منا يا أمي وهم متحضرون وليسوا مثلنا فلماذا لا أستمع إليهم؟!
نعم هذا هو الانبهار الذي نوّهنا إلى خطورته من البداية.
وجهاز الجوّال أولا هو المتهم الرئيسي في إيجاد هذا الإنبهار غير المشروع.. وعلماء الاختصاص يكشفون مخاوفهم من أن الهاتف الجوال يؤثر على تفاعل الشباب مع البيئة المحيطة به، فقد تزداد عزلتهم وانطوائيتهم مع أوجاع دائمة يشكون منها نتيجة الإدمان.
ثانيا: إن أبناءنا مسؤوليتنا الأولى في الحياة ولابد من الانتباه إلى غذائهم المعرفي قبل غذائهم الجسدي..
إننا بحاجة اليوم إلى انقاذ ما يمكن إنقاذه من سلوكيات ابنائنا والتي أصبحت قاب قوسين أو أدنى من العقوق واللامبالاة.. ولنتأكد تماما أن الفطرة السليمة هي المنتصرة في نهاية المطاف.. فلابد إذن من علاجات عاجلة للأخذ بأيديهم نحو ساحة البر وعرفان المسؤولية والانصات لصوت الحق عبر أساليب تربوية تعتمد على الموعظة الحسنة والإهتمام والإحتواء والتوجيه الحاني والمستمر .
اضافةتعليق
التعليقات