كم من البرّ تحمله في جعبتك اتجاه أبيك وأمك؟ وكم تخزّن من مشاعر الرضا ولين الكلام في جوفك اتجاه والديك، اللذين تعبا في تربيتك واجهدا نفسيهما في تنشئتك؟
(برّوا آباءكم تبرّكم أبناؤكم).
إنْ سلّمنا بصحة هذا الحديث، فإن البرَّ بمفهومه الواسع لفظةٌ تعمُّ جميع أعمال الإحسان، وتشمل كلَّ خصال الخير، وعلى هذا فللبرِّ أشكال وصور كثيرة، لكنْ من أبرز صور البِرِّ والإحسان: البِرُّ بالوالدين .
وبرُّ الوالدين كنز يورث لصاحبه السعة في الرزق وطول الأجل، هكذا وردت الأحاديث في تبيان فضله.
إلا أنّ صفة البر والعقوق لا تورثان من الآباء إلى الأبناء.. وإلا كيف نفسِّر خروج الخبيث من الطيب والطيب من الخبيث؟!
لكن الحديث له جنبة تربوية لابد من الأخذ بدلالتها. من أجل تربية النشىء على حفظ مقام الوالدين والإحسان إليهما والرفق بهما إلى آخر عمريهما.
سؤال: هل يرتبط البر بالسعادة والعقوق بالشقاء؟
الجواب: نعم.
فلنقرأ قوله تعالى حينما أثنى على نبيه عيسى عليه السلام: (وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا).
وتعني: وجعلني بارا بها أؤدي شكرها فيما قاسته بسببي من أذى قومها وتنكرّهم لها وبهتانهم عليها، ولم يجعلني جبارا، أي متجبّرا شقيّا والمعنى أني بلطفه وتوفيقه كنت محسنا إلى والدتي متواضعا في نفسي، حتى لم أكن من الجبابرة الأشقياء.. فبر الوالدة هنا توجب السعادة، أمّا العقوق فيؤدي إلى الشقاء والتعاسة .
ويقول صادق العترة عليه السلام: البرُّ وحسن الخلق يعمران الديار ويزيدان في الأعمار..
عن أبي ولاد الحناط قال: سألت أبا عبد الله (ع) عن قول الله عز وجل (وبالوالدين إحسانا) ما هذا الإحسان؟
فقال: الإحسان أن تحسن صحبتهما، وأن لا تكلّفهما أن يسألاك شيئا مما يحتاجان إليه وإن كانا مستغنيين، أليس يقول الله عز وجل: لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبّون؟ قال: ثم قال أبو عبد الله (ع): وأما قول الله عز وجل (إمّا يبلغنّ عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما) قال: إن أضجراك فلا تقل لهما: أف، ولا تنهرهما إن ضرباك، قال (وقل لهما قولا كريما) قال: إن ضرباك فقل لهما: غفر الله لكما، فذلك منك قول كريم قال: (واخفض لهما جناح الذل من الرحمة) قال: لا تملأ عينيك من النظر إليهما إلا برحمة ورقّة، ولا ترفع صوتك فوق أصواتهما، ولا يدك فوق أيديهما، ولا تقدم قدّامهما.
هذه هي حدود اللطف بالوالدين... أما حدود الإحسان إليهما فهي كثيرة ومتشعبة، تفتح ذراعيها بسعة الدنيا؛ لمن يريد أن يكون ابنا بارّا، أو ابنة بارّة بهما.
يقول الشاعر:
العيش ماضٍ فأكرِم والِديك بِهِ
والأمّ أولى بِإِكرامٍ وإِحسانِ ..
وحسبها الحمل والإِرضاع تدمِنه.
أمرانِ بِالفضلِ نالا كلّ إِنسانِ.
ولتتذكر دائما إنّ لك في الدنيا بابان إلى الجنة، إن مات أحد والديك فقد أُغلق دونك بابا إليها.. فلتكن احرص الناس على مفتاح بابك الثاني.
اضافةتعليق
التعليقات