وأنا في طريقي الى العمل، اعتراني الذهول لهول ما رأيت! تسمرت في مكاني لدقائق وأنا أرى مشهداً لم أكن أتخيل مصادفته! شاهدتُ ابن جارتنا الطفل، نعم هو طفل إذ لم يكمل الثانية عشرة بعد، كان يجلس في باب بيتهم المحاذي لبيتنا في الصباح الباكر، يمسك بيده السيجارة يسحب أنفاس عميقة بنهم، ويخرجها بزفير حار يلوح في أفق السماء الملبدة حزناً لما يفعله بنفسه فقد قتلت تلك الأنفاس طفولته مبكراً.. عيناه حمراء، مجهدة، وكأن السهر أخذ منه كثيراً! خذلتني قواي في الحديث معه أو حتى سؤاله، هل كانت والدته تعلم بذلك؟
كما للحرج والخوف كان له دور كبير بعدم ذهابي إليها والحديث معها تحسباً من ردة فِعلها.
المراهقة والتدخين
لم يكن ذلك المشهد من النوادر فالكثير من الأطفال في بداية سن المراهقة تستهويهم امساك عقب السيكارة ليلوح بها معلنا أمام أقرانه بأنه كبر وأصبح رجلا!
وفي ظل غياب الدور التربوي من بعض الأهل يكون ذلك الصبي اليافع ضحية للسيكارة اللعينة، ممكن أن تؤدي ببعضهم إلى أمراض مزمنة بعمر مبكر.
وحول هذه القضية الاجتماعية التي تعاني منها بعض الأسر في توجيه وارشاد اطفالهم كان لـ (بشرى حياة) هذه الجولة الاستطلاعية:
عجز الآباء
يشتكي أبا سلام من سلوك ولده الذي عجز عن توجيهه إلى الصواب قائلا: باءت محاولاتي بالفشل في توجيه ابني إلى جادة الصواب فقد كان يبتاع علبة السكائر من مصروفه الشخصي.
وأضاف: وأنا عائدا إلى البيت استوقفني جارنا صاحب الأسواق ليخبرني بانه رأى ابني الصغير عمار الذي لم يكمل الثالث عشر جالسا خلف الجدار وهو غارق في تدخين السكائر واحدة تلو الأخرى وحينما انبته امتعض وتساءلت إن كنت تعلم بذلك غضب مني ثم لاذ بالانصراف مسرعا.
ختم حديثه: أرى أن مشكلة تدخين المراهقين عويصة ومن الصعب تفاديها وامتناع الفتى عنها.
فيما قالت أم إيهاب: عجزت عن الحديث مع ولدي في سن مراهقته بالابتعاد عن رفاق السوء الذين كان لا يفارقهم طيلة يومه فقد بدأ أمر التدخين معهم ولم ينتهي ليومنا هذا.
وأضافت: بعد وفاة والده وتحمل المسؤولية أصبح من المدمنين على التدخين حتى أصابه التهاب رئوي حاد الأمر الذي أثر حتى على الحبال الصوتية فقد تغيرت نبرة صوته وأصبح كثير السعال وهنا بدأت رحلة علاج طويلة إذ أصبح مرضه مزمنا.
وتابعت بحزن بالغ: أرى نفسي مذنبة فقد تجاهلت في بداية الأمر انجراره خلف نزوات المراهقة أولها ممارسة التدخين فكل ممنوع مرغوب، لربما انشغالي بمرض أبيه واهتمامي بشؤون إخوته الصغار جعلني لا أكترث لهذا الجانب، فأنا لا أعفي نفسي من مسؤولية ما آلت إليه حالة ابني الصحية.
تسرد لنا الحاجة أم عماد في عقدها الثمانين التي توقفت عن التدخين في الوقت الحاضر بسبب المرض قائلة: لم أكن أميز بأني مراهقة أصلا، ولكني أذكر جيدا كيف كان أبي رحمه الله يطلب مني أن اجهز له السيكارة من الورق والتبغ فقد كان لا يبتاع سكائر جاهزة كما يطلب أن أشعلها له ولأنه لم يرزق بالبنين كان يوكل لي هذه المهمة باستمرار حتى اعتدت على ذلك وبدأت أدخن بالخفاء فكان من الصعب أن استنشق عقب سيكاره بين أفراد المجتمع بعمري الصغير ولكوني فتاة، ولكن حينما تخطيت الأربعين ما عدت أكترث للأمر.
إن اعتيادي على التدخين في سن مبكر جدا كان السبب الرئيسي به هو والدي رحمه الله.
غرق في طوفان التدخين
في ختام جولتنا كانت لنا وقفة مع الاستشارية زهراء الغانمي من مركز الإرشاد الأسري قالت من خلالها: إن مشكلة التدخين من الأمور التي تثير جدلاً إذ يقع فريستها المراهقون والشباب، هنا تقع المسؤولية في الدرجة الأولى على عاتق الأبوين.
فقد يبدأ التدخين في سن المراهقة على نحو غير مؤذٍ، ولكن غالباً ما تُصبح مشكلة على المدى الطويل.
وفي واقع الأمر، يبدأ معظم المدخنين البالغين في التدخين عندما يكونوا مراهقين.
وأضافت: من أحد أسباب التدخين هم الأصدقاء فقد يقوم المراهق بالتدخين باعتقاده أنّه أمر ممتع لأنّ أصدقائه يقومون بذلك، أو لأنّه يشعر بأنّ علاقتهم به مهدّدة بالانتهاء إذا لم يقم بالتّدخين مثلهم.
إذ يعتقد المراهق أنّ التّدخين يجعله يبدو كشخص بالغ أو مستقلّ، كما يُمكن أن يلجأ إليه عند شعوره بالملل؛ فيرى فيه وسيلةً، وقد يلجأ المراهق للتّدخين لمجرّد أنّ أحد والديه يقوم بذلك.
طرق المعالجة
وعن طرق المعالجة قالت الغانمي: على الأهل أن يُخبروا ابنهم المراهق بشكلٍ واضح عن رغبتهم في إقلاعه عن التّدخين، مع تجنّب توجيه الأوامر والتّهديدات والإنذارات المتعلّقة بهذا الشّأن أو التّصرف بغضب فهذه الأساليب تزيد الأمر سوءاً، ومن جانبٍ آخر فإن فهم الأهل لسبب تدخين ابنهم هو الحل الأفضل لعلاج المشكلة.
كما يمكن استخدام أسلوب التحذير كإخبار المراهقين بالأضرار العديدة التي يُسبّبها التّدخين، كرائحة الفم, والملابس، والشّعر الكريهة، وضعف الأداء الرّياضيّ؛ إذ يُصبحوا غير قادرين على التّنافس مع أقرانهم غير المدخنين، وزيادة خطر الإصابة بالأمراض؛ فتُشير الدراسات إلى أنهم عرضة للإصابة بالبرد، والإنفلونزا، والإلتهاب الرئوي أكثر من غيرهم.
وأضافت: ومن الممكن عرض المراهق على أحد مختصي الإقلاع عن التّدخين، إذ يمنحه الأسلوب والدعم اللازمين للتوقف عن التدخين، كما قد تُقدم هذه الخدمة الصحية بعض المستشفيات والمراكز المدنية، إلى جانب شبكة الإنترنت التي تعرض بعض البرامج المساهمة في الإقلاع عن التدخين.
ولابد من ملأ أوقات فراغ المراهقين ومحاولة زجهم في نشاطات مختلفة كالرياضة أو مهنة معينة أو تنمية هواياتهم، فيكون انشغالهم بالأعمال وتخلصهم من الطاقات الايجابية التي يمكنهم الاستفادة منها، وبذلك يبتعدون عن أي أشياء ثانوية كالتدخين وغيره.
ويعد الأصدقاء من العوامل المؤثرة بطريقة سلبية في شخصية المراهق، لذلك على الوالدين التعرف على أصدقاء أبنائهم، ومحاولة ابعادهم عنهم بطريقة غير مباشرة وكذلك زجهم في جماعات يعرفونهم وجعله يتأقلم معهم.
اضافةتعليق
التعليقات