في خضم زحامات الحياة يسير الفرد محاولاً تحقيق ذاته والوصول لمُبتغاه، تارة تكون أهدافه كبيرة وطُموحه عال وتارة يمضي بحياته لمجرد تمضية أيامه كسائرها لا يبغي سوى العيش براحة دون تعب أو ضيق..
وبين هذا وذاك تعترضه مواقف وأحداث تزعجه وتُثير غضبه فيثور مؤذيًا نفسه ومن بقربه دون أدنى فائدة، فلا يحصل سوى على الأذى النفسي وما يترتب عليه من قلق وضعف بالأداء واختلال التوازن..
وكان الأسلام أحرص ما يكون على الإنسان بأن يكون بأحسن حال ويُحقق أفضل أداء فبيّن له ما يجعل منه إنسانا بمعنى الكلمة بالتصرف السليم والأداء الجيد ونهاه عما يُكدر حياته ويتراجع بأداءه.
فكان الغضب أحد الصفات التي نهى عنها الإسلام لما يترتب عليه من أثر سلبي على الفرد نفسه ومن حوله وبيّن كيفية الابتعاد عنه والتعامل بهكذا مواقف بتأكيده على التسامح والعفو وجميل ما يحصل عليه من كظم الغيظ.
والكظم لغويا عرفوه ب:
قال المناوي: (الكَظْم: الإمْسَاك على ما في النَّفس من صَفْحٍ أو غَيْظٍ).
معنى الغَيْظ لغةً:
الغَيْظ: الغَضَب، وقيل: الغَيْظ غَضَبٌ كامنٌ للعاجز، وقيل: هو أشدُّ من الغَضَب، وقيل: هو سَوْرَته وأوَّله. وغِظْت فلانًا، أَغِيظُه غَيْظًا. وقد غَاظَه، فاغْتَاظ. وغَيَّظه، فتَغَيَّظ، وهو مَغِيظ.
وقال الأصفهاني: (الغَيْظ: أشدُّ الغَضَب، وهو الحرارة التي يجدها الإنسان من فَوَرَان دم قلبه).
معنى كَظْم الغَيْظ اصطلاحًا:
كَظْم الغَيْظ: تجرُّعه، واحتمال سببه، والصَّبر عليه.
ويقال: كَظَم غَيْظَه، أي: سكت عليه، ولم يُظْهِره بقولٍ أو فعلٍ، مع قُدْرته على إيقاعه بعدوِّه.
وقال ابن عطيَّة: (كَظْم الغَيْظ: ردُّه في الجَوْف إذا كاد أن يخرج مِن كَثْرَته، فضبطه ومَنَعَه).
فأرسل تعالى قدوة للناس تمثلوا بأحسن الصفات وكانوا كما أرادهم الله تعالى فاقوا الخلق جميعًا بحُسن الصفات ومعرفة الخالق. فأصبحوا مثاله تعالى للبشرية ليخرجوا الناس من الظلمات ويوضحوا لهم ما يرسم الحياة الطيبة..
فأشار تعالى بكتابه أن "لكم في رسول الله أسوة حسنة"، وأشار الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لمن يسير مسيره.
"احمد بن حنبل في مسنده: رقم الحديث 25383، حسب ترقيم العالمية. باقي مسند الأنصار، حديث أم سلمة،: إن النبي (صلى الله عليه وآله) جلل على علي وحسن وحسين وفاطمة (عليها السلام) كساء ثم قال: «اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، فقالت أم سلمة: يا رسول الله أنا منهم؟ قال: إنك إلى خير».
وكان كاظم الغيظ موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب قدوة ومثالا أسمى بكظم الغيظ والعفو عمن يسيء إليه ومقابلة الاساءة بالإحسان الخلق الذي حُمِد في القرآن الكريم.
فكان موسى الكاظم عليه السلام إذا بلغه عن الرجل ما يكرهه بعث إليه بصُرة دنانير، وكانت صراره مثلا.
ومما ينقل عن مواقفه العظيمة انه كان هناك رجل في المدينة يؤذي الامام موسى بن جعفر عليه السلام وكان يشتم عليا صلوات الله عليه وأراد بعض حاشية الإمام عليه السلام أن يقتله، ولكن الإمام نهاهم عن ذلك أشد النهي، وزجرهم أشد الزجر، ثم زار عليه السلام الرجل في مزرعته، فأعطاه ثلاثمائة دينار، فقام الرجل فقبّل رأسه، وقال: "الله أعلم حيث يجعل رسالته".
يقول الامام الكاظم (عليه السلام): «أولى العلم بك ما لا يصلح لك العمل إلاّ به وأوجب العمل عليك ما أنت مسؤول عن العمل به، وألزم العلم لك ما دلّك على صلاح قلبك، وأظهر لك فساده، وأحمد العلم عاقبة ما زاد في علمك العاجل، فلا تشتغلنّ بعلم مالا يضرّك جهله، ولا تغفلنّ عن علم ما يزيد في جهلك تركه».
فالجهل أحد الأسباب المؤدية للغضب فكلما زاد وعي الانسان قل غضبه.. عن الإمام الصادق عليه السلام: "الغضب مفتاح كل شر".
و"للغضب آثار سلبيّة عديدة منها:
1- فقدان الصَّواب: عن أمير المؤمنين عليه السلام: "الغضب يُفسد الألباب ويُبعد من الصَّواب".
2- خطر على الإيمان:
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الغضب يُفسد الإيمان كما يُفسِد الخلّ العسل".
3- فقدان الحجَّة والمنطق: عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: "شدّة الغضب تُغيّر المنطق وتقطع مادّة الحجّة، وتُفرِّق الفهم".
4- يظهر العيوب:
عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: "بئس القرين الغضب يُبدي المعايب ويُدني الشَّرّ ويُباعد الخير".
5- تسلّط الشَّيطان.
أسباب ودوافع الغضب
إنّ للغضب عوامل وأسباب مختلفة، ومعرفة هذه العوامل ضروريّة في عمليّة الوقاية والعلاج من أخطار هذه الحالة السَّلبيّة، ومن هذه العوامل:
1- التَّسرُّع: يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "من طبائع الجهّال التَّسرُّع إلى الغضب في كلِّ حال".
2- التَّكبّر والغرور: عن السَّيّد المسيح عليه السلام إنّ الحواريِّين قالوا له: "يا معلِّم الخير، أعلمنا أيّ الأشياء أشدّ؟ فقال عليه السلام: أشدّ الأشياء غضب الله عزّ وجلّ، قالوا: فيم يُتّقى غضب الله؟ قال: بأن لا تغضبوا. قالوا: وما بِدء الغضب؟.
قال عليه السلام: الكِبر والتَّجبُّر ومحقرة النّاس".
3- الحسد والحقد: وهو ما أشار إليه أمير المؤمنين عليه السلام: "الحقد مثار الغضب".
4- الحرص وحبّ الدُّنيا: وقد ورد في ذيل الحديث المذكور آنفاً عن السَّيّد المسيح عليه السلام ما يشير إلى هذا العامل: "وشدّة الحرص على فضول المال والجاه".
"وقد تعددت الوسائل والطرق لعلاج الغضب، فمنها السلوكي الذي يستدعي أن يقوم الشخص أثناء غضبه بالتغيير من سلوكه السلبي إلى سلوك آخر أكثر إيجابية، ومن أساليب العلاج أيضا ما يعرف بالأسلوب المعرفي الذي يطلب من خلاله أن يعمل الشخص على استبدال أفكاره اللاعقلانية بأخرى عقلانية وايجابية، ومن العلاجات الواردة في هذا المجال أيضاً العلاج الذي يحفز صاحبه على القيام بالأنشطة المحببة لديه مثل الرسم والكتابة والفن الذي يرفع من حالة الفرد المعنوية ويزيد من قدرته على الإنجاز و تجعله يشعر بالرضا عن الذات". كذلك التعاطف والاسترخاء يساعد في التغلب على الغضب..
فأحسنوا لأنفسكم ولمن حولكم بابتعادكم عن الغضب المذموم وتَحليكُم بالحلم وكظم الغيظ.
اضافةتعليق
التعليقات