من المعروف بأن كل إنسان طبيعي تحفل حياته بماضي مميز عن غيره، تتضمن ذكريات جميلة، مليئة بالأحداث السعيدة والحزينة... ولكن مايلفت الإنتباه، ان بعض صانعي الصنف التعيس من هذه الذاكرة هم أقرب الناس الينا.
فبعض الأهالي يخلقون شخصيات وهمية لإخافة أطفالهم الصغار، مثلاً يقول الأب او حتى الأم: اهدئوا أو ناموا وإلاّ سيأتيكم (ابو طبر، شكاك البطون، حرامي، الغول..الخ)، ولكن الأهل غافلين عن التأثيرات السلبية التي من الممكن أن تطرأ على شخصية طفلهم في المستقبل، ومدى خطورة الأمر على نفسه الخصبة الصالحة دائما لزراعة الأفكار السليمة، وايضاً الخبيثة منها. وفي هذا الإطار، كان لموقع "بشرى حياة" لقاء خاص مع شريحة نسائية لها تجربة مع هذا الموضوع:
فكان رأي السيدة نور في هذا الجانب: عندما كنت صغيرة استخدمت أمي هذا الاسلوب معي، فقد كانت ترعبني من الظلام وتقول لي؛ هنالك جني سيخرج من الظلام ويأكلك إن لم تنامي، وحقيقة هذه الأفكار أثّرت علي جدا، فأصبحت اعاني من فوبيا الظلام، والآن أنا متزوجة ولي طفلة، في المقابل أتجنب استخدام اسلوب التخويف معها، حفاظاً على نفسيتها، وبالعكس أحاول دائما ان أعزز ثقتها بنفسها وان أقلل من الخوف الذي يرتابها من أشياء وأماكن معينة.
و تقول السيدة جنان في هذا الموضوع: حقيقة انا أستخدم هذا الإسلوب مع أطفالي ولكن ليس بكثرة، فقط في الأوقات التي أعجز عن السيطرة عليهم.
اما رأي السيدة فاطمة كان: لا أذكر بأن والديَّ في يوم من الأيام استعملوا هذا الإسلوب معي، بالعكس كانوا يدعموني نفسياً ويعززون ثقتي، وانا ايضاً لا أستعمل هذا الإسلوب مع اطفالي، فبرأيي إسلوب التخويف ليس إسلوباً صحيحاً ويؤثر سلباً على نفسية الأطفال عند الكبر، ويولد لديهم حالات نفسية صعبة، من الممكن ان يؤدي الى حالات الكآبة وضعف الشخصية...الخ.
والتقينا بالمرشدة النفسية والتربوية الست ليلى حيث افادتنا برأيها:
إسلوب التخويف يعتبر من الأخطاء الشائعة التي يتبعها بعض الأهل كوسيلة عقاب وردع وتأديب مؤقتة، لإلزام الطفل بالسلوك القويم او ما يرونه صحيحاً، وربما تكون كحجة لثنيهم عن السلوكيات السلبية او كوسيلة لحمايتهم من الأخطار بصورة مبالغ فيها مثل تخويفهم من الأشباح، طبيب الاسنان، الظلام، اللص، الشرطي، الحيوانات، أو ربما تهديده بتركه في الظلام والأماكن المغلقة وحيداً.
تعتبر هذه السلوكيات من الحيل التي يتبعها بعض الآباء والامهات في هذا الاطار، ما يولد لدى الطفل انطباعاً سيئا عن العالم الذي يعيش فيه ورهبة شديدة تجاه المجهول فيتأصل الخوف في داخله وربما يتطور الى حالة مرضية يصعب علاجها في المستقبل.
من ناحية اخرى، قد يشمل هذا الأسلوب، من اشياء او اشخاص لهم دور إيجابي في المجتمع مثل الطبيب والشرطي... في هذه الحالة، فان الأهل يرتكبون خطأً فادحاً تجاه الطفل والمجتمع في آن واحد.
أحياناً يكون الأهل في غفلة عن مقدار الضرر الذي سيلحقه اسلوب التخويف بشخصية اطفالهم، حيث يعد هذا الإسلوب من أساليب العنف اللفظي الذي يترك جانباً سلبياً في حياة الإنسان، وبالطبع لا يعتبر هذا الإسلوب دليلاً على عدم المحبة او كره الاهل لأولادهم بل قصور في الثقافة النفسية، وإسراف في الجهل، وضعف المفهوم التربوي الصحيح.
فقد أثبتت بعض الدراسات العلمية، على إن إستعمال إسلوب التخويف سيؤثر سلباً في بناء شخصية الطفل، ويخلق له جواً من المشاعر السلبية التي من الممكن ان تؤدي به الى الاكتئاب، والعزلة... ويعتقد علماء النفس بأن أسلوب التخويف الذي يتبعه بعض الآباء هو من اكثر العوامل تأثيرا في شخصية الطفل فيما يتعلق بالخوف المرضي، خاصة اذا كانت هذه المخاوف تخاطب مخيلته في سنوات طفولته المبكرة كما إن هنالك بعض الآراء التي تؤكد بأن أغلبية الأطفال التي تم ممارسة العنف اللفظي معهم وخاصة إسلوب التخويف، باتت لديهم شخصية مزدوجة في الكبر والتحقوا بعصابات إجرامية، وإكتسبوا شخصية عنيفة، وأغلبهم انتهى المطاف بهم خلف قضبان السجون.
كما إننا لا ننسى بأن هنالك بعض القصص الخرافية والحكايات الشعبية، التي تحتوي على شخصيات وهمية ومخيفة، من الممكن أن تؤثر سلباً على نفسية الطفل، دون تقديم اي وعظ أو مفاهيم صحيحة تؤثر بصورة إيجابية في بناء شخصيته، فالأفضل تجنب سرد هكذا حكايا للأطفال وإستبدالها بالقصص التي تتضمن حكم ومواقف جميلة.
اذا من الضروري غرس الأفكار الصحيحة و المبادئ الواضحة في عقل الطفل و سقيها بالتفكير السليم والتجارب النافعة.. و تربيته على أسس دينية قيمة، بعيداً عن العنف اللفظي واساليب التخويف، والعقوبات الصارمة التي ستؤدي به الى الأزمات النفسية والكآبة وغيرها، وستشوه لديه المعنى الحقيقي للمودة والحياة. وإستبدالها بكلمات مشجعة، ودعم نفسي وتربوي من أجل خلق جيل مثقف وواعي، يخدم نفسه وأسرته والمجتمع كله.
اضافةتعليق
التعليقات