كل إنسان بفطرته يُحب أن يُشار إليه بأنه موجود خَيِر، ويميل أن تكون حياته فيها الخير واسع وعميم، وأهل البيت(عليهم السلام) من جانب هم النموذج الأكمل كما نقرأ في الزيارة الجامعة الكبيرة هذه الفقرة: [اِنْ ذُكِرَ الْخَيْرُ كُنْتُمْ اَوَّلَهُ وَاَصْلَهُ وَفَرْعَهُ وَمَعْدِنَهُ وَمَأواهُ وَمُنْتَهاهُ،...](١)، ومن جانب آخر هم المنهج الذي يوصلنا لحيازة الخير كله وليس فقط الخير، وذلك عبر كلماتهم المنيرة.
الخير كله في معرفة الذات
عن الإمام علي (عليه السلام) قال: [إن الخير كله فيمن عرف قدره](٢)، هنا لعل المعنى أن المراد بمعرفة الإنسان لقدره هو معرفته لمسؤوليته كإنسان بكل وجوده ما هي؟ فقدر المسؤولية كبير، فهي تلك الأمانة التي قَبِل أن يحملها وآبت كل المخلوقات ذلك، هنا سعة الخير التي يحوزها يكون بمقدار ما يعرف من حجم هذه المسؤولية كإنسان.
وعنه(عليه السلام): [الخير كله فيمن عرف قدر نفسه](٢)، هنا قد حُدِدت المعرفة بمعرفة قدر النفس، لذا لعل المراد هو معرفة جانب من جوانب وجود الإنسان الذي هو النفس، والتي وصفها كتاب الله (بالضعف، الهلع، الجزع، المنع)، وبالمقابل هناك (المطمئنة، الراضية، المرضية)، فالإنسان لابد أن يعرف طبيعة قدرته النفسية فإن كانت مثلا لازالت بمرحلة الضعف والهلع، يجتهد في رفع قدرها إلى النفس القوية، المطمئنة، وهذا ما يمكن أن نفهمه أيضا من كلمة لإمامنا زين العابدين(عليه السلام) بقوله: [الخير كله صيانة الإنسان نفسه](٣)، يعني وإن كانت سليمة خيرة عليه أن لا يتوقف عن محاسبتها وتزكيتها لكي يضمن استقامتها.
الخير كله بتحصيل العلم
إذ بَين لنا باب مدينة علم الرسول مفاتيح تحصيل هذا العلم بقوله: [جمع الخير كله في ثلاث خصال: النظر، والسكوت، والكلام: ...، فطوبى لمن كان نظره عبراً، وسكوته فكراً، وكلامه ذكراً، وبكى على خطيئته، وآمن الناس شره](٣)، فحيازة العلم ليست عملية تجميع للمعلومات بقدر ما هي عملية تفاعلية مع المعلومات، لينال كل خيره.
الخير كله في تحصيل الدين
إن الدين جنبتين (علم ومعاملة)، لذا كمال تحصيله يكون بتحصيل الجنبتين، فمن مصاديق التدين العقائدي كما ورد عن امير الكلام(عليه السلام) أن: [جماع الخير في الموالاة في الله، والمعاداة في الله، والمحبة في الله، والبغض في الله]، والتدين السلوكي عن الإمام علي (عليه السلام)قال: [ثلاث هن جماع الخير: إسداء النعم، ورعاية الذمم، وصلة الرحم](٣)، وفي قول امامنا الصادق(عليه السلام): [ما على أحدكم أن ينال الخير كله باليسير، - قال الراوي -: قلت: بماذا جعلت فداك؟، قال: يسرنا بإدخال السرور على المؤمنين من شيعتنا](٣).
الخير كله في النظرة الواعية للدنيا
عن أمير الكلام(عليه السلام) إنه قال: [جماع الخير في العمل بما يبقى، والاستهانة بما يفنى](٣)، وقول الإمام زين العابدين (عليه السلام): [جعل الشر كله في بيت وجعل مفتاحه حب الدنيا، وجعل الخير كله في بيت وجعل مفتاحه الزهد في الدنيا](٣)، وقول الإمام الصادق(عليه السلام): [الخير كله أمامك، وإن الشر كله أمامك، ولن ترى الخير والشر إلا بعد الآخرة، لأن الله عز وجل جعل الخير كله في الجنة، والشر كله في النار](٣)، فالنظرة الواعية المثمرة بالخير كل الخير هي أن ننظر للدنيا على إنها وسيلة لبلوغ الأخرة، وليست غاية، هي كالسفينة توصلنا للجنان لنرسوا بأمان.
إذن هذه نظرة سريعة ألقيناها في كلمات العترة المنيرة التي بَينت مصاديق شاملة لمفهوم الخير في حياة الإنسان ليكون من أهل الاقتباس من نورهم، العارف بنهجهم، الساعي للتحلي بكل ما يجعله قريبا منهم.
اضافةتعليق
التعليقات