وسط هذه الحياة الدنيا وبكل ما فيها من الصالحين والطالحين، كلما وجدت أرواحنا أمر التفريق بينهم صعب، كان هناك باب يُسهل علينا التمييز بينهم؛ إذ إننا نملك إشعاعات نور تُضيء لنا، من أولئك الذين نهانا الله تعالى أن نعتقد ولو بالفكر أنهم أموات، إذ قال: ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ﴾ [آل عمران: 169]، فهم ليسوا فقط الأحياء بل هم من أصدق مصاديق الحياة.
لذا من السهل جداً أن نثق بهم، بمسيرتهم، بتوجيهاتهم التي بقت من ورائهم، الآثار التي خلفوها وراءهم، لأنهم أنهوا إمتحانهم على خير، إذ قدموا لنا برحيلهم قواعد حسن الخاتمة "بالشهادة" تلك الخاتمة الدالة على قدم الصدق الذي خطوا به إلى ربهم، فالموفق من يخطو نحوهم، ويضع قدمه على آثار قدمهم.
والشيخ الشهيد العارف حسين الحمزاوي(رحمه الله) هو نموذج جليّ لطريق الحق، إذ يمكن أن تُلخص سيرة حياته بهذه العبارة: [إنه عاش حياة السهل الممتنع!].
بلى! عندما يمتزج كيانه بمنور النور، وتتغذى روحه على معارف أهل النور، يسهل عليه جداً أن يحذو حذوهم، ويتكامل بكمالاتهم، فيكون بعد ذلك سلوكه ترجمان لنهجهم الرباني.
حقا إن أمثال هذا الإنسان حجة علينا في أن أي انسان قادر أن يكون نبوي علوي الحياة فقط إن أراد هو ذلك، فكل ما نجده صعب وثقيل، بل وأمر مستحيل تجد هذا الشهيد قد أستسهله وعمله بكل بساطه وأريحية.
ولكن.. ولكن ما يُلفت الإنتباه هو سلوك مميز ودرس ثمين جداً نحتاج أن نجعله منهج في حياتنا -كما جاء في ما كتب في سيرته*- وهو قضاءه الليل بالتضرع والدعاء لكن ليس بمفرده بصحبة أخته، كان كلما ألمت به ملمة، أو مر بضيق، أو كانت له حاجة كان يطلب من أخته أن تقضي معه الليل لأجل التضرع والدعاء والمناجاة لكي ينيله تعالى ما فيه خير وصلاح، وفي ذلك رسائل يمكن أن نستلهمها لحياتنا الأسرية:
أولاً: جمالية شدة الترابط بين الأخ والأخت، وآثارها المعنوية بإنزال الرحمة الإلهية على الأخوان.
ثانيا: رسالة تطمين ومحبة من الأخ للأخت تكشف عن حسن ظنه بها وبعلاقتها بربها، وهذا يجعل الأخت قوية من هذا الجانب، مما يولد في نفسها الثبات وشعور الالتذاذ بسيرها في هذا الطريق، وبأن لها مؤنس ورفيق يرافقها ويشجعها على تعميق علاقتها بربها من هذا الجانب، في زمن أجدبت فيه الأرواح وتباعدت فيه القلوب، وتخافتت فيه الأصوات التي تضج بالدعوات.
ثالثاً: رؤية الأخت لأخيها بحالة من الإفتقار والخضوع واللجوء الى الله تعالى يعطيها رسالة أن مصدر قوة أخيها الحقيقية هو الله تعالى القوي المطلق؛ وهذا يوجب في نفسها الثقة والإطمئنان والأمان بأنها تستند وتعتمد على رجل إلهي القوة، لن يخذلها ولن يسلمها للنوائب، ولن تشغله الدنيا عن أن يكون لها عونا وخير ملاذ.
بالنتيجة فإن هذه الخطوة وهذا السلوك الذي وصلنا من سيرة هذا الشهيد لو طبق ولو على مستوى أن يؤدي الأخ الدعاء بمحظر أخوته وأخواته وعياله، أن يطلب منهم الدعاء له، فكم من جسور مودة ستبنى؟ وكم من القلوب بالإيمان ستزهر، وكم من أشواك في طريق مسير أهل الايمان ستزول؟.
-------
*للإطلاع على سيرة الشهيد في كتاب "سنشد عضدك بأخيك" لدكتورة زينب عباس، إذ يصادف اليوم في ٢٠/٥/٢٠١٧، عروج روج هذا الشهيد الى باريها.
اضافةتعليق
التعليقات