تحتشد الأمنيات تحت ردائها، وتتزاحم الحاجات فوق راحتيها، فتلتمس البوح من شفتيها الذاكرتين، إلا أنّ واحدة منها تفوز بالسباق هي دعوة لجار.. فيا لها من دعوة عظيمة تختزل كل معاني الوفاء والجيرة الكريمة.
توقظ صغيرها في الهزيع الأخير من الليل، فيستمع لدعوات الأم الهائمة بحب مولاها.. فيقول: وأين نحن يا أمّاه؟! فتجيبه: يابني الجار ثم الدار.
تلك هي فاطمة الزهراء سيدة النساء.. أطهر امرأة في الوجود.. تتماهى في حب الخير للآخرين وتنسى نفسها؛ فتذكر الجار قبل أهل الدار.
تقصر أيادي الوصف إن قالت عنها مدرسة.. بل هي أم لكل الاجيال الماضية والحاضرة والمقبلة.. هي عنوان كل المثل السامية، ورأس كل فضيلة، بل هي مجمع الفضائل كلها.
وسُئل الإمام الصادق عليه السلام عن فاطمة عليها السلام لِمَ سمّيت الزهراء؟ فقال عليه السلام: (لأنّها كانت إذا قامت في محرابها زهر نورها لأهل السماء، كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض).
أي نور احتواه معدن الزهراء حتى أصبح زاهرا متلألأ لأهل السموات؟! أوَ ليس قيام الليل هو من يضفي على سيماء المتهجدين القائمين نورا يشع إلى عنان السماء؟! فلا عجب إذن من نور الزاهرة المتهجدة في محرابها أن يخرق حجب السماوات السبع.
تقصر كلماتنا عن ادراك كنهها ومعرفة فضائلها ومنزلتها ومقامها.. فمقامها عند رب العزة عظيم ورفيع.. ويكفيها فخرا أنها جُعلت سيدة نساء أهل الجنة بل سيدة نساء العالمين.. وكفى بذلك فخرا وذخرا.
ونحن نحاول تلمس خطى الزهراء في أقوالها وأفعالها، ونسعى جاهدين لننهل من فيوضات عطائها، لا ننسى أننا أمام نموذج متكامل للمرأة المثالية.. فالزهراء كانت نعم البنت ونعم الزوجة ونعم الأم..
(فداها أبوها) كانت قولة لرسول الله بحق ابنته الزهراء.. حين تركت متاع الدنيا وراءها؛ فجعلت ما تملكه لوجه الله أما زوجها علي عليه السلام فيقول في حقها: فوالله ما أغضبتها ولا أكرهتها على أمر حتى قبضها الله عز وجل، ولا أغضبتني ولا عصت لي أمراً، لقد كنت انظر إليها فتنكشف عني الهموم والأحزان..
ما أجملها من شهادة زوج يرى في وجه زوجته انفراجا لهمومه، وفي عشرتها تسكينا لمواجعه وآلامه.
أما الأمومة فقد قدمت الزهراء لنا الأنموذج الراقي للمربية الواعية، التي تكفلت بتربية أطفالها، فغرست فيهم الفضائل والقيم الانسانية، وتمكنت من توفير الأجواء الأسرية الحميمة على الرغم من انشغالها بأمور عملية أخرى كتعليم النساء والمساهمة في نشر الرسالة المحمدية وهداية المجتمع..
ولأننا نؤمن أن الصلاح المجتمعي لا يتأتى إلا من خلال الصلاح الأسري، وأن اللبنة الأساسية التي تساهم في بناء الأمة تنبع من التربية الصالحة والأسرة المتحابة، كان لابد لنا أن نتلمس خطى الزهراء لأنها هي خير من قدمت لنا مقاييس الصلاح، حين ربّت أولادها على حب الخير ونشر الصلاح.. فكانت بحق أنموذجا مثاليا للأم المتهجدة الصالحة.
اضافةتعليق
التعليقات
2020-02-21