نشاهد في بعض الأحيان ونضع أنفسنا محل أشخاص يمرون بموقف معين ونبدي نوعاً من التعاطف مع ما يمرون به، ذلك التعاطف الجميل الموجود عند الكثير من الناس ليس إلا مجرد البداية، بوابة الإنطلاق نحو مراتب الرقي الإنساني، فيجب علينا أن لا نقف عند مجرد التعاطف، بل يجب أن ندرب أنفسنا باستمرار لتخطي تلك المرحلة إلى المرحلة الأكثر كمالاً وإنسانية، إنها مرحلة (التقمص العاطفي)، حيث هي قدرة شخص على أن يضع نفسه موضع شخص آخر فكريًا وعاطفيًا ويفهم موقفه من وجهة نظره.
أما فن الإنصات عند الإستماع فهو الباب الأساسي للولوج في هذه الرحلة، فكيف لشخص لا يحسن الإنصات أن يعرف أصلاً عن هذا العالم الغريب بالنسبة له.
وفي هذه الحياة، الكل مشغول بالسلم الخاص به، سلم الصعود نحو النجاح، سلم تلبية الرغبات والاحتياجات، تخيل هذه الحياة وكأنها جدار ليس له نهاية ومليارات السلالم التي ترتص بجانب بعضها، كل شخص على سلمه الخاص الذي يمثل عالمه الذي يهتم به، الجميع يستمر في الصعود كي يحقق ذاته وينجز أهدافه، لكن البعض يتعثر، والبعض يواجه مشاكل في السلم ذاته، قد يكون سلمك من النوع الجيد وسلم من بجوارك مهترئ ومتكسر، ربما ورثته أنت عن أبيك بهذه الحالة الجيدة لكن هو كان عليه أن يبنيه بنفسه من بقايا الأعواد المتكسرة.
توقف قليلاً، خذ نفساً، انظر لمن حولك، أنظر لأولئك المتعثرين في الصعود على سلالمهم، لكن مجرد النظر لا يكفي، مد يديك إليهم وساعدهم، تلك السعادة التي ستجنيها عندما تراه يصعد بكل ثقة على سلمه لن تعادلها أي سعادة، ولا حتى نشوة الإنتصار عندما تصل لقمم حياتك المنشودة.
التقمص العاطفي هو درجة أكثر رقياً وإنسانية من التعاطف، التعاطف هو أن تُظهِر للآخر استيائك أو فرحك عند سماع مصائبه أو نجاحاتك، لاحظ كلمة (تُظهِر) هنا، قد لا تكون تلك المشاعر نابعة بشكل صادق من قلبك ووجدانك الداخلي، لكن التقمص العاطفي أكثر عمقاً وصدقاً من هذا، فهو أن تتخيل نفسك في موقفه وفي حالته، ثم تشعر بنفس ما يشعر به وتحس بنفس إحساسه، إنها حالة من تغيير الأفكار والمشاعر الداخلية، حالة صادقة تعيشها وتخرج من حالتك أنت وواقعك الذي تعيشه إلى حالة الآخر وواقعه.
الكثير من الناس يمرون على ذلك المتسول دون أن يتوقفوا عنده أو ينظروا إليه نظرة إشفاق، البعض منهم يتعاطف معه ويخرج من جيبه كسرة مال صغيرة كي يطفئ بها وخز الضمير الذي ربما أزعجه في الدقائق التالية، لقد قام بذلك من أجل نفسه، كي يطرد تأنيب الضمير عن خاطره، كي يستمر في الحياة بشكل طبيعي دون أن يعكر شيء مزاجه، لكن القلة القليلة سيتعاطفون مع تلك الحالة لكن بشكل مختلف.
فمثلًا عندما يتعرض الأفراد أو الجماعات لأحداث صعبة، مثل الحروب، والكوارث الطبيعية، أو الحوادث الخطيرة، يكون دائماً هناك شعور سائد بالتعاطف حول مصابهم.
إلا أن هناك درجة أخرى من التعاطف في علم النفس، يُطلق عليها "التقمص العاطفي"، وهي عندما يصبح الشخص قادراً على وضع نفسه فكرياً وعاطفياً مكان الأشخاص الآخرين، الذين هم وسط المعاناة.
وينقسم التقمص العاطفي إلى نوعين، وهما التعاطف المعرفي والتعاطف العاطفي، والذي يتم تحليله من الجهة النفسية، والجهة العلمية، لطريقة عمل الدماغ، وتفاعله مع الأحداث.
التقمص العاطفي.. ينقسم إلى التعاطف المعرفي والتعاطف العاطفي
يتم وصف التعاطف المعرفي على أنه معرفة كيف يفكر ويشعر الآخرون، في حين التعاطف العاطفي هو عبارة عن فهم الشخص الآخر، كما لو أنك في مكانه.
وعلى الرغم من اختلافهما البسيط، فإنها عبارة عن وجهين لعملة واحدة، تشكلان في النهاية القدرة والمساعدة على تكوين العلاقات مع الآخرين والحفاظ عليها بروابط جد قوية، ومختلفة تماماً عن الروابط والمشاعر التي يتم تشكيلها في المواقف العادية.
التعامل الإيجابي مع التقمص العاطفي
يمكن أن يخلق التوازن بين التعاطف المعرفي والتعاطف العاطفي، وهو "التقمص العاطفي" إلى عدة نتائج إيجابية، لا تنحصر فقط بالشعور لما يشعر به الشخص الآخر، وإنما دافع للانخراط في مجموعة من الأنشطة الأخرى التي تعود بالنفع على الجهات التي تعاني. ومن بين أبرز هذه الأنشطة تقديم المساعدات، والدعم العاطفي، ومحاولة إيجاد طرق لحل المشاكل في حال وُجدت، وتحديد وتلبية الاحتياجات، وتقييم الوضع بشكل دقيق للوصول إلى حلول منطقية.
سمات الشخص الذي يمتلك التقمص العاطفي
ثمة مهارات وصفات حددها علم النفس تكون لدى الفرد تدل على امتلاكه لسمة التقمص العاطفي ومن هذه الخصائص نذكر:
قدرة إدراك ووعي عالية
من خلال مهارته في فهم مشاعر الطرف الآخر ووعيه بها والقدرة على شرحها أيضاً.
بعيد عن الأحكام المسبقة والاستنتاجات
يظهر هذا من خلال البحث عن دوافع الطرف الآخر التي تدفعه لشعور معين بالإضافة إلى وضع العديد من الأسئلة ومحاولة فهم الشخص وجهاً لوجه.
القدرة على التعبير عن مشاعر الطرف الآخر
قد يتلعثم الشخص في التعبير عن مشاعره أو وصفها بشكل جيد. لذلك فإن الفرد الذي يكون لديه مهارة التقمص العاطفي يستطيع توصيف هذه المشاعر أكثر من الشخص ذاته.
القدرة على جذب الآخرين للحديث معه عن مشاعرهم
بسبب قدرته على فهم مشاعرهم ووصفها بدقة عالية حيث أن الفرد يميل للحديث مع فرد يستطيع فهم أفكاره ومشاعره بدقة عالية وسرعة كبيرة ووعي تام أيضاً.
التمتع بدرجة مرتفعة من الذكاء
لأن التقمص العاطفي في علم النفس مشابه للذكاء تقريباً بسبب القدرة التي يمتلكها الفرد في معرفة تفكير ومشاعر الطرف الآخر بشكل تلقائي.
يمتلك الثقة بالنفس والاستقلالية
من خلال طاقته الداخلية القوية حيث يوجه جزء من هذه الطاقة في بعض الأحيان نحو فهم ما يحيط به وفهم الآخرين من حوله بالتالي يمتلك قدر كافي من الثقة بالنفس.
الاستماع بشكل عميق للآخرين
المتقمص عاطفياً هو مستمع جيد ومتفهم وهذا ما يجعل الأشخاص من حوله يكنون له كل التقدير والاحترام ويفضلون الحديث معه دائماً.
أهمية التقمص العاطفي
إن أهمية هذه السمة قد تكون غنية عن التعريف إلا أننا قد صنفناها تبعاً للعديد من الاستخدامات والمجالات التي يستخدم فيها ومنها:
التقمص العاطفي بين الأصدقاء
هذا التقمص من أبرز المجالات التي تظهر فيها أهمية التقمص العاطفي. وذلك لأنه الطريقة المثلى لتقوية الروابط بين الفرد والأشخاص المحيطون به والأفراد الذين يحبهم. حيث أن هذه الروابط تصبح أكثر متانة إذا استطاع الفرد الشعور بالذين يحبهم ووضع نفسه مكانهم في العديد من المواقف الحياتية. مما يجعله يفهم نظرتهم وبالتالي تزيد ثقتهم به وبمعرفته لأفكارهم ومشاركتها وكيفية التعامل معها. وهذا كله يعمل على تخفيف العبء والضغط بين الأصدقاء وزيادة الشفافية.
أهمية التقمص العاطفي في العمل
من خلال تقوية العلاقة بين الموظفين وبينهم وبين المدير حيث أن فهم مشاعر المدير والزملاء وتفهمهم لبعضهم البعض يساعد على بناء بيئة عمل مريحة. وبالتالي ناجحة وتساعد على زيادة إنتاجية العمل. بالإضافة إلى ذلك فإنه يساعد على فهم العميل وبالتالي ابتكار أفكار إيجابية لعمل ناجح.
التقمص العاطفي مهارة
أكدت الدراسات أنه مهارة وقدرة حسية خارقة لا يمتلكها كل الأفراد. بل هي موجودة لدى البعض منذ الطفولة وتظهر من خلال تدريب الطفل على الشعور بالآخر ويتم تطويرها مع الوقت لدى الفرد الذي يمتلك جزء منها. لكن لا يمكن تطويرها لدى الأشخاص المفتقدين لها.
فتحية لتلك القلوب الشفافة، التي تسمح بعبور آلام الآخرين إليها، تلك القلوب التي تتلون مع ألوان الآخرين، وتتشكل حسب أفراحهم وأتراحهم، التي تعطي من مشاعرها قبل أن تخرج من جيوبها، التي تهتم بشكل حقيقي لكل إنسان يعيش بقربها، تلك القلوب هي بلسم هذه الحياة.
المصادر:
موقع الجزيره
موقع ألوانز
موقع عربي بوست
اضافةتعليق
التعليقات