يعاني الكثير من الأشخاص في وقتنا الحالي من التفكير المفرط أو التفكير الزائد الذي يختلف عن التفكير الطبيعي الذي يستغرق فيه الأشخاص بعض الوقت في التفكير حول مواقف معيّنة تواجههم في حياتهم لمدّة من الزمن، بينما نجد أنّ هنالك عددًا من الأشخاص يعانون من تدفّقات دائمة ومستمرّة للأفكار في عقولهم. فأصحاب التفكير الزائد المزمن Chronic Overthinkers غالبًا ما يستعيدون في رؤوسهم الحوارات والأحاديث التي قاموا بإجرائها بالأمس، أو يشكّكون بكلّ قرار يتخذونه، أو يتخيّلون مخرجات كارثية لكلّ شي، طوال اليوم، وكلّ يوم! التفكير الزائد لا ينطوي على الكلمات وحسب، فالمفرطون في التفكير يستحضرون في عقولهم صورًا كارثية أيضًا من محض مخيّلتهم. حيث يمكنك أن تشبّه عقلهم بفيلم سينمائي تهوي فيه سيّارتهم مثلاً من على جرف أو يستمرّون فيه بالتفكير في أحداث سيئة مرّوا بها مرارًا وتكرارً. قد لا تشعر بأنّ التفكير الزائد سيءٌ إلى هذا الحدّ، لكن إن كنت تعاني منه حقًا فأنت تعلم تمام العلم كم هو مرهق ومستنزفٌ للطاقة ومتعب للنفس.
حيث يعد التفكير الزائد مجموعة من الأحاسيس التي يشعر فيها الفرد مثل الخوف والقلق والشك في شيء معين بالإضافة إلى وجود مجموعة من الأفكار السلبية المزعجة التي تخطر ببال الفرد باستمرار وتكون خارجة عن السيطرة وبالتالي عدم قدرة الفرد على التحكم بها.
التفكير كما عرفه البعض: "عبارة عن سلسلة من النشاطات العقلية غير المرئية وغير الملموسة المختصّة بالدماغ، والتي يقوم فيها الدماغ عندما يتعرض لمثير ما يتم استقباله من أحد الحواس، أو أكثر من حاسة". إذاً إنه أمرٌ طبيعي يوحي بصحة عقولنا وإدراكنا للواقع. أما التفكير المفرط هو التفكير المستمر بجميع الأمور سواء الصغيرة أو الكبيرة مما يأخذ الشخص فيه وقتاً أكبر في التحليل والتفسير وإضاعة الوقت والفرص.
كيف يؤثر التفكير الزائد على صحتنا؟
وعن تأثير التفكير الزائد على صحتنا، يقول الاختصاصي "عندما نفكر بكثرة فإن أجسامنا تنتج هرمون الكورتيزول، ومع مرور الوقت، يسبب ذلك استنفاد طاقة الجسم والشعور بالإرهاق، مما يؤدي بدوره إلى إضعاف الجهاز المناعي، وبالتالي نصبح أكثر عرضة للعدوى والأمراض".
ويضيف أن الإفراط في التفكير يمكن أن يسبب القلق، والذي بدوره يؤثر على الجهاز الهضمي، ويسبب بعض المشاكل، كاضطراب القولون العصبي، وعسر الهضم، والتغيرات في الشهية، وقد يؤدي عند البعض إلى الأكل بنهم، وهو ما يسمى بالأكل العاطفي الذي يرتبط بالمشاعر وكثرة التفكير.
وأظهرت دراسة جديدة أن التفكير الكثير أو العمل المعرفي المكثف لساعات عدة، يتسبب في تراكم منتجات ثانوية سامة في جزء الدماغ المعروف باسم قشرة الفص الجبهي (وهو شكل من أشكال الصرع).
وقال الباحثون إن هذا بدوره يؤثر على سيطرة الإنسان على قراراته، لذا فإنّ تركيز المرء يتشتت بشكل غير إرادي ويتجه نحو الإجراءات التي لا تتطلب أي جهد أو انتظار حيث يبدأ التعب المعرفي.
يقول ماتياس بيسيجليون من جامعة بيتي سالبترير في باريس "النتائج التي توصّلنا إليها تظهر أن العمل المعرفي ينتج عنه تغيير وظيفي حقيقي - تراكم مواد ضارة - لذا فإن التعب سيكون بالفعل إشارة تجعلنا نتوقف عن العمل للحفاظ على سلامة وظائف الدماغ".
أضرار التفكير الزائد:
- تفكير أكثر، يعني حياة أقصر!
بحسب دراسة أجريت في كليّة هارفارد الطبية على مجموعة من الأشخاص، ممّن تتراوح أعمارهم بين 60 و70 سنة، وبين المعمّرين الذين تزيد أعمارهم عن مئة سنة، تبيّن أنّ أولئك الذين تُوفوا في أعمار أصغر، يمتلكون نسبة أقلّ من البروتين التي تهدّئ الدماغ، التفكير الزائد يرهق عقلك، ويؤدّي بالتالي إلى استنزاف هذا البروتين، وتقليل نسبته في الدماغ.. ذلك لا يعني أنّك ستموت في سنّ الثلاثين إن كنت من أصحاب التفكير المفرط، لكنه سيؤثر بلا شكّ تأثيراً سلبياً على دماغك، ويؤدي إلى مشاكل وأمراض كالخَرَف والزهايمر وغيرها من الأمراض العقلية، التي وبحسب الدراسة السابقة، تؤثّر على مدّة الحياة، وتسبّب الوفاة في عمر أصغر.
- ساعات نوم أقل وأسوأ:
قد لا تستطيع أحياناً السيطرة على مشاعر القلق والتفكير التي تنتابك في ساعات متأخرة من الليل، وهو ما يجعل جسمك يخرج من حالة الراحة والاسترخاء؛ ليصبح أكثر تيقّظاً، ماذا يعني ذلك؟ أجل، بالضبط.. ذلك يعني ساعات نومٍ أقلّ؛ بل ونوعية نومٍ أسوأ، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى الشعور الدائم بالإرهاق والإجهاد.
- زيادة فرص الإصابة بالأمراض العقلية:
من أهمّ أضرار التفكير الزائد، زيادة خطر الإصابة بالأمراض والمشاكل العقلية، مثل: القلق المزمن، الاكتئاب، اضطراب ما بعد الصدمة، أو اضطراب الشخصية الحدية. باختصار، التفكير الزائد يؤدي إلى الإصابة بالعديد من المشاكل والاضطرابات العقلية، التي تؤدي بدورها إلى مزيد من التفكير الزائد؛ لتجد نفسك في حلقة مفرغة لا مفرّ منها.
- اضطرابات الشهية، إن كنت تبالغ في التفكير:
فقد تجد نفسك غير راغب في تناول الطعام، أو في الحالات الأكثر شيوعاً، قد تبالغ في الأكل، في محاولة لتخفيف التوتر والتفكير.. هذه الاضطرابات والتذبذبات في الشهية، تؤدي في كثير من الأحيان إلى العديد من المشاكل الصحية الجسدية.
- تراجع الإبداعية والابتكار:
بعكس ما قد تعتقده من أنّ التفكير الزائد سيساعدك على إيجاد حلول أكثر لمشاكلك؛ فإنّه في الواقع يقلّل من قدراتك الإبداعية، ويجعل من عملية البحث عن حلول تحديّاً صعباً؛ بل وحتى الابتكار والخروج بأفكار جديدة في عملك سيغدو أصعب.
- التأثير سلباً على المهارات الاجتماعية:
حينما نقضي وقتاً طويلاً في تحليل ما قد يفكّر به الآخرون حولنا؛ عادةً ما يخلق ذلك شعوراً بالخوف والانعزال عن المواقف الاجتماعية.. تخيّل فقط عدد المرات التي تخيّلت فيها أنّ أحدهم لا يستلطفك، أو لن يستلطفك، ونتيجة لذلك لم تبادر بالتحدّث إليه، لعلّك أضعت الكثير من الفرص للتعرّف على أصدقاء جدد، أو لتوسيع دائرة علاقاتك بسبب تفكيرك الزائد؛ غالباً ما يكون التفكير الزائد هو السبب وراء تصرّفاتك ومشاعرك هذه، وليس الأشخاص من حولك؟
كيفية التخلص من التفكير الزائد في المستقبل
يتسبب التفكير الزائد في المستقبل إلى الشعور الدائم بالقلق والتوتر، بالإضافة إلى أنه يخلق بعض الأفكار السلبية، لذا أغلب المصابين بالتفكير الزائد يبحثون عن كيفية التخلص من التفكير الزائد في المستقبل.
ويمكن ممارسة بعض التمارين والعادات البسيطة أن تخلصك من التفكير الزائد، ومن الأضرار النفسية والجسمانية والعقلية التي يمكن ان تسبب بها، وفيما يلي سنقدم بعض النصائح للتخلص من التفكير الزائد، ومن أبرزها ما يلي :
1- تمارين التنفس:
عند الانخراط في التفكير الزائد يمكنك اللجوء إلى تمارين التنفس العميق التي تساعد على التوقف عن التفكير وعليك بالجلوس في وضع مريح مع الحرص على راحة الرقبة والكتفين، والتنفس ببطء من خلال الأنف حتى يمتلئ الصدر بالهواء وكتم النفس للحظات وإخراج الهواء عبر الفم، ويمكنك تكرار التمرين ثلاث مرات خلال اليوم.
2- ممارسات النشاطات المفضلة في أوقات الفراغ :
عند شعورك بأن التفكير الزائد يسيطر عليك ولا تستطيع التخلص منه عليك بإشغال نفسك بممارسة أي نوع من النشاط الذي يخلصك من التفكير، مثل اللجوء إلى الرسم أو الكتابة أو ممارسة نوع من الرياضة.
3- التفكير بالإيجابيات :
ويمكن التخلص من التفكير الزائد في المستقبل عبر وضع خطط مستقبلية مليئة بالتفاؤل؛ حيث يمكن إحضار ورقة وقلم وتدوين الإيجابيات، وتجنب السلبيات، وحتى إن كانت الإيجابيات بسيطة فإنها تساعدك على تحسين الحالة المزاجية، والتخلص من التوتر والقلق والتفكير الزائد.
4- اتخاذ القرار :
عادة يكون التفكير الزائد ناتج عن عدم القدرة على اتخاذ القرار، ولكن حين تستطيع اتخاذ القرارات المناسبة الصحيحة في المواقف المختلفة فإنك تتخلص من الإفراط في التفكير.
5- تمارين التأمل :
وتعد تمارين التأمل من الوسائل الجيدة التي تساعدك على تصفية ذهنك من ازدحام الأفكار، إذ إن تمارين التأمل لها دور في التقليل من الضغوط النفسية والقلق والتوتر والتفكير المفرط في شتى الأمور.
اضافةتعليق
التعليقات