إن أنظمة التعليم المختلفة عبر العالم والتي تتبناها المدارس والمؤسسات التعليمية تعتبر النواة التي تسطر الخطوط العريضة لتشكيل منهج تعليمي للتلاميذ أو الطلاب بما يتناسب مع قدراتهم الذهنية والأهداف التي تضعها الوزارات في المقررات الدراسية.
أحد أهم الأنظمة التربوية القديمة هي مدرسة فالدروف، والتي لا زالت تعرف تواجدًا مهما في مجموعة من المدارس الخاصة بها في مختلف أنحاء العالم.
مدرسة فالدورف أو النظام التعليمي Steiner هو نظام تربوي قائم على المفاهيم التعليمية للفيلسوف النمساوي رودولف شتاينر Rudolf Steiner. وهو قائم على الأنثروبولوجيا أو ما يعرف بالعقيدة الباطنية التي هو يعتبر مؤسسها. يستهدف هذا النظام المُتعلمين الذين تتراوح أعمارهم من 0 إلى 21 عامًا، ويُمارس داخل مؤسسات تعليمية مستقلة وجمعوية خاصة في أوروبا وأمريكا الشمالية.
ورسميّا، يوجد 1092 مدرسة فالدورف في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك 734 في أوروبا، 200 في ألمانيا، 15 في فرنسا، وواحدة في مصر، حسب آخر إحصاء سنة 2017.
تؤكد فلسفة والدورف التعليمية أهمية مساعدة الطفل في أعمال التنظيف والتنظيم اليومية، ومساعدته في عملية الطهي وتنظيم المائدة، فهو يساعد الطفل على ضبط أفعاله وسلوكه وحركته الدقيقة، لما تحتاجه هذه المهام من تنظيم وترتيب وتوالٍ، سواء كان الطفل يريد القيام بها أو لا.
على ماذا تعتمد:
1_ جولة في الطبيعة:
من المهم جدًّا أن يلتحم الطفل بالبيئة المحيطة به ويكون جزءًا منها، فالخروج للطبيعة يومي في والدورف، يتبع أيضًا موضوع الأسبوع، يتعلم من خلالها الطفل أهمية الطبيعة وأنه جزء منها، كما تتعزز مهارات التأمل وأن يرى جيدًا وإرهاف حواسه وأن يسمع ويرى ما لا يراه غيره ممن لا يختلطون بالطبيعة. هل للطبيعة إيقاع؟ أين تختبئ الحيوانات؟ هل للبحر صوت؟ هل للغابات والحدائق رائحة؟ هل للهبوب الرياح نغمات مميزة… إلخ.
وبعد كل زيارة يقوم فيها الطفل بأخذ تذكار يضعه على طاولة الطبيعة الخاصة به، والذي يمثل أي فصل من فصول العام هو، على سبيل المثال، ويمكن الاستعانة بهذه الأشياء في نشاط المهارات اليدوية.
بما أن أطفال والدورف لا يتعرضون للتعليم الأكاديمي المبكر، فجولات الطبيعة هي المعلم الفطري للموضوعات العلمية المختلفة فهم يتطرقون لعالم الحيوان وخصائصه، ولعلم النبات، ولقوانين الطبيعة المختلفة من دورات الحياة المختلفة، كما أنه يمكن للطفل أن يصقل المهارات الرياضية من خلال عد وربما جمع وطرح محتويات صندوق جولة الطبيعة الخاص به.
كما يمكن الاستبدال بجولات الطبيعة في نهاية الأسبوع جولات ميدانية، مثل زيارة أحد صناع الحرف اليدوية أو عامل بناء في موقع، خباز، مزارع وهو يقوم بعمله أو زيارة أحد المصانع للتعرف على طريقة ودورة تصنيع المنتجات.
2_الحكي والقصة
للقصة في يوم والدورف التعليمي أهمية كبرى، فهي جسر يربط بين الأفكار والموضوعات المختلفة وبين الطفل وخياله، تكون القصة قصيرة كلماتها بسيطة، تقوم على التكرار -إيقاع مرة أخرى- شخصياتها محببة للأطفال، مثل الحيوانات وغيرها، كما أنه يمكن أن تستخدم القصص الشعرية أيضًا.
يقوم المربي بالحكي في اليوم الأول، ثم يقوم في اليوم التالي برواية القصة بمساعدة مجموعة من العرائس ودمى الأصبع مثلًا، واليوم الذي يليه ربما يستعين المربي بأطفال للمشاركة في الأداء، إلى أن نصل إلى القيام بعمل مسرحية بسيطة ونقوم بتجسيد الشخصيات بشكل مبسط.
3_ الأعمال المهارية والفنية
كما أن الأعمال المهارية اليدوية مهمة جدًّا في والدورف، فهي تفعل من أداة هذه المرحلة، اليد، فهي تساعد على تطور قدرته على التذوق الفني والإحساس بالجمال كقيمة، كما تعزز من احترام جميع أنواع الخامات والمواد المستخدمة.
على سبيل المثال يمكنهم في والدورف صناعة أشياء جميلة من مواد معاد تدويرها، كل الخامات والألعاب في والدروف من مواد طبيعية: أخشاب، معادن، صوف، قطن.
كما تقوم بتنصيع بعض الأدوات المستخدمة فيما بعد: مثل ألوان شمع العسل، صناعة الشموع، تلبيد الصوف بالماء، وهكذا تقنيات ستستمر مع الطفل طوال رحلته في مدارس والدورف.
يقوم المربي بتقديم المهارة الفنية مقسمة على عدة مراحل، مرحلتين أو ثلاثة، لكي يتعلم أن عملية تصنيع شيء ما كبير يمكننا أن نقسمه على مراحل صغيرة وبسيطة فيسهل علينا الاستمرار في العمل.
كما أن هناك نشاطًا شهريًّا يقوم به المربون أو الآباء أمام أطفالهم، لا يقوم الطفل بالعمل فيه، فقط يتابع المربي وهو يصنعه، وذلك تمهيدًا لامتلاك هذه المهارة فيما بعد، حيث إن كثيرًا من الأفكار التي يتم تقديمها من خلال المربي أو الآباء، يقوم بتصنيعها الطفل بنفسه فيما بعد في مرحلة الابتدائي.
كما أن هناك ضرورة في أن يرى الطفل قدوته وهو يغزل ويحيك ويصنع الدمى والألعاب، فهو يقلد كل ما يفعله ويقوم به، هكذا يتعلم الطفل، ويمكن أن يحكي المربي قصة أثناء صناعته للنشاط.
4_دروس الألوان المائية
لكل أسبوع يتناول الطفل موضوعًا مختلفًا من خلال درس الألوان المائية، حيث يتعلم الطفل رهافة الحس عن طريق التماس القيم اللونية المختلفة، فيتعامل الطفل بتقنية معينة يتعلمها مع الألوان الأساسية في هذا العمر الصغير: أحمر، أزرق، وأصفر، ويستخدم لكل درس لونًا واحدًا فقط لكي يغوص لأقصى مدى مع اللون ودرجاته وسماكاته المختلفة.
أنظمة في فالدروف.
1– لا تتبع نظام الحصص، بل يتم تدريس موضوع ما لفترة تستمر أسبوعين أو ثلاثة أسابيع، حتى ينتهي هذا الموضوع تمامًا، ويتيح طول الفترة المتاحة للتدريس أن يتناول المعلم مع تلاميذه الموضوع من جميع جهاته المعرفية عن طريق الرسم والنحت والحكاية والموسيقا والغناء والمسرح وحتى الرقص والرياضة والاعمال اليدوية (حياكة، نجارة، وحدادة في المراحل المتقدمة) والمواد التعليمية متداخلة جدا مع الفن والاسطورة والرحلات في الطبيعة.
2– ليس ثمة كتب مدرسية، بل يعتمد الجميع على دفاتر رسم كبيرة نسبياً، تتحول إلى مصدر معلومات للتلميذ، من خلال ما يتم بحثه في الصف، فالتلميذ يصنع مراجعه بنفسه فهو يرسم المعلومات ويكتبها وتتحول هذه الدفاتر الى لوحات (الصورة).
3– لا يوجد تقييم بالعلامات للطلاب، فالمعلم يتابع طلاب الصف يراقب تطور واهتمامات وخصائص كل طالب ويكتب عنه تقارير تفصيلية دورية تحتوي على نمو معارف الطالب وشخصيته، لأن المنهاج التربوي لمدارس فالدورف يرى أن الهدف من هذه الفترة، ليس تلقين التلاميذ المعرفة، وانما ليعيشوها.
فعند دراسة الفيزياء مثلاً لا يقوم المحاضر ببحث الحقائق العلمية فحسب، بل يكون التركيز على تأمل الطبيعة والاندماج معها والحث على الاستقراء.
4– التلاميذ الصغار يتعلمون الأرقام، من خلال الثمار التي تلمسها أصابعهم، وتشمها أنوفهم، وترى ألوانها عيونهم، والحروف يدرسونها من خلال تجسيد شكل الحرف بأجسامهم، بتحريك الأذرع والسيقان والرأس وبقية الجسم في الهواء، لرسم صورة الحرف. الرسم يكون بألوان الشمع الطبيعي.
5– في المرحلة الثانوية من عمر ١٤-١٩ يبدأ تطوير الفهم الواعي والعقلي الحر والمفاهيم الاخلاقية مثل حس المسؤولية الاجتماعية لكي تتوافق مع تطوير القدرة على التفكير التجريدي والحكم العقلي.
6– الحفاظ على البيئة من أهم أهداف المدرسة، لأن التعلم يعتمد على نظرية وحدة الانسان بالكون، لذلك فإن المدارس تقع في الطبيعة، حولها دوما خضرة وأشجار، والمباني المدرسية تحرص على الانسيابية في الشكل، بدون زوايا حادة تصدم العين، وبدون ألوان فاقعة، كل البيئة المحيطة، لابد أن تكون جميلة ورقيقة ومرتبة.
7– كل مدرسة تتمتع بالاستقلالية، فإن كل واحدة منها لا تخضع إلا لمساءلة الهيئة التدريسية وأولياء الأمور فقط. والحياة المدرسية تجدها تعيش حالة لا سلطوية فريدة من نوعها بغياب الإدارة بشكل تام (بوجود تعيينات شكلية فقط). فالجميع (طلاب، اهالي، مدرسون) يتقاسمون العمل بكل مسؤولية وبكل حب للعمل الذين اختاروه. ليس هناك من يقوم بأعمال التنظيف فالطلاب نفسهم ينقسمون الى مجموعات تقوم بتنظيف الصف يوميا عند الانتهاء من الدوام المدرسي بعمل يدوم مدة عشر دقائق. (صورة الصف)
8_ لا تستخدم المدرسة أي نوع من أنواع التكنولوجيا بل إنها معتمدة كليا على الوسائل التقليدية من السبورة والطباشير، والطين الاصطناعي وغيرها.
وقد حوربت هذه المدارس في فرنسا متهمين اياها بأنها تتبع بدعة دينية ولكن المدرسة قامت برفع دعوى ضد متهميها وحصلت على البراءة من التهم الموجهة لها ولو انها تعد من المدارس النموذجية ونرى اخبار المدرسة ونشاطاتها وابداعات طلابها الا ان الحكومة الفرنسية لا تقوم بدعمها، كما تفعل مع المدارس الخاصة مدعية انها لا تتبع نظام الدولة التدريسي في اسلوبها التعليمي والاداري. الا ان هناك العديد من الدول التي تنتشر فيها بكثرة مثل النروج وهولندا والمانيا واميركا.
هذه المدارس وغيرها تعطي رسالة بإن الأمر لا يتعلق بتطوير الأساليب التكنولوجية بقدر ما يعني تحمل المسؤولية التعليمية ومقارنتها مع الحياة الواقعية التي يعيشها التلاميذ، من دون التشتت الحاصل في تعدد الوسائل المرئية، فتراها تعالج كل المواضيع من البيئة التي يعيشها التلميذ وبأبسط الوسائل المتاحة.
اضافةتعليق
التعليقات