وتتوالى الأحزان الثقال على قلب الزهراء عليها السلام، رحيل النبي عن دنياها ليس حدثا عابرا أو مصيبة عادية، أبدا.. غيابه يعني فيما يعنيه غياب الخيمة التي كانت تحتمي تحتها، وغياب أبوة حانية تلوذ بها بعد افتقادها لحنان الأم، وغياب سند كانت تتكأ عليه حين يعوزها السند .
بكاؤها لم ينقطع.. فلم تهدأ زفراتها ولم يسكت أنينها، وأنى لها السكوت وقد تعاضد على هضمها الزمان والمكان معا، لقد تشّربت الزهراء الحزن قطرة قطرة، فاستحالت إلى قطعة حزن لم يُعرف لها قرار، بيت الأحزان هو الآخر بدوره بدا عاجزا عن لملمة اشلاء حزنها المتفاقم، فتكور على نفسه حياء من بنت رسول الله صلى الله عليه وآله .
فتلك جنباته تضج مع ضجيجها المتواصل ليل نهار، فتتهاوى أركانه مع انهداد ركنها القوي، لقد هالهم أن تبكي أباها ليل نهار.. فطلبوا من علي عليه السلام إما تبكي ليلا أو تبكي نهارا!! فهم لا طاقة لهم لسماع أنينها وشكواها وظلامتها.. أرادوا أن يُسكتوها كي لا يُفتضح أمرهم فيشعرون بالندم .
ولكن هيهات ما كانت فاطمة لتهدأ، ولا للوعتها أن تسكن فتُريحهم، لقد أرادت أن تبعث لهم برسالة مفادها: ما هكذا يخلف المرء في ولده!.
فهل وصلت رسالتها ياترى؟
اننا اليوم عندما نؤبن فاطمة الزهراء عليها السلام، إنما نُحيي قلوبنا بذكر التضحيات التي قدمها أبوها خاتم الأنبياء للبشرية جمعاء.. نحن لا نريد لقلوبنا أن تصاب بالجمود والقسوة كقلوب القوم .
عند الزهراء الخبر اليقين .. نعم وهو كذلك ، فلو انها كانت راضية لما اوصتهم بدفنها سرا ، ولما منعتهم من تشييع جثمانها .
لكنها الحقيقة التي يُراد لها أن تُطمس وسط التكهنات والافتراءات .
شهادة الزهراء وهي في ريعان شبابها ، وضعت الأمة في ذهول مدوّي : أيمكن للحزن أن يميت ويقتل ؟! بلى حزن الزهراء كان من هذا النوع القاتل ، إن كنتم لا تصدقون فذاك شأنكم ، أما نحن فإننا نرى الزهراء هي شهيدة الحق المهتضم ، وشهيدة احقاق الحقوق ، وشهيدة المظلومية الكبرى .
اضافةتعليق
التعليقات