روت لي فتاة لم تتجاوز الثامنة عشرة من زهور حياتها، حكاية أثارت فضولي ووجعي .
قائلة: إن زميلة لها في الدراسة اعتادت التأخر عن الدروس الإضافية التي يحضرنها لرفع مستواهن العلمي، وفي إحدى المرات انتبه الأستاذ إلى غيابها عن الحصة الدراسية.. قالتها (حوراء) بطريقة مضحكة بالنسبة لي على الأقل إذ توسعت عيناها مدهوشة وارتفع صوتها بنبرة حادة وكأنها تروي لي أحداث مشهد بوليسي متخمٍ بالتفاصيل الغامضة، والحقائق التي بدأت تتكشف رويداً رويداً. فحوراء لم تواجه مثل هذه المواقف من قبل، كونها من عائلة ملتزمة دينياً، كما أنها ورثت خلقاً رفيعاً من والديها.
عبر أستاذ اللغة الانگليزية عن استيائه وقرر الاتصال بوالدها لمعرفة ما إذا كان يعلم بغياب ابنته وتأخرها عن الحصص الإضافية.
سائلاً إياه: ما الذي يمنعها من الحضور.
لم يكن كلام الأستاذ هذا مبنياً على تخرصات، فقد رأى زميلتها تتسكع في الطرقات مع شاب يبدو على هيأته أنه طالب في سنها تقريباً أو يكبرها بعامٍ في أعلى تقدير، شاهدها بالصدفة تحمل ملازمها الدراسية في يد وفي الضفة الأخرى من قلبها تسير معه.
أكملت لي حكايتها قائلة: إنها وبعد عودتها إلى المنزل تواصلت مع زميلتها تلك لتخبرها بقراره، بيد أن الأستاذ لم يحقق الاتصال بوالدها، فأمها الحنون باغتته باتصال أسرع، محاولة منع مصيبة على وشك الحدوث، لذا أنفقت دقائق المكالمة تتوسله كي يتنحى عن فكرة الاتصال بالوالد، خوفاً منها على كرامة ابنتها التي ستضيع تحت الضرب والتأنيب.
لكنه اتصل أخيراً.. غير آبه بتوسلات الأم، فلن يشترك بهذه المهزلة خاصةً بعد أن قلب الأمر من الجانب الأخلاقي واستفزه ضميره، كونه مسؤول بنسبة ما عن طالباته في الساعات الخاصة بمحاضراته على أقل تقدير.
قصة عادية قد تتكرر كثيراً هذه الأيام تحت قناع الحرية المزعومة، لكن ما أثار دهشتي هو طريقة الأم في التعامل مع المشكلة، لا أكاد أصدق!.
كيف للأم أن تخفي أخطاء أبنائها عن والدهم، وجعله (آخر من يعلم) بالمشاكل التي تعترض حياتهم، جاءت تلك النتيجة لأن بعض الأمهات لا يثقن بقدرة الآباء على حل المشاكل بالطرق السليمة، وهي الفئة الأقل في الحقيقة.
وأخريات يخشين مزاجه الصعب وردود فعله القاسية على أولاده وهي الفئة الأكبر. وبين هذه وتلك وجدنا من تعتمد نظرية أن الرجل لا يجب أن يعرف كل شيء، أي أنها تعطي لنفسها الصلاحية التامة لاتخاذ القرارات دون اللجوء إليه، وإن اضطرت إلى إخباره فمن باب التفضل بالعلم فقط، كونها تعدّ نفسها مؤهلة لإدارة دفة الأمور بالأسلوب الصحيح، وقوية بما يكفي لتكون القائد الأول والأوحد في الأسرة، لذا تعتبر أمر إخبار زوجها بهذه التفاصيل انتقاصاً لشخصيتها ولإدارتها الحكيمة.
لم اكن أعلم أن تطور الحياة وزيادة نسبة النساء المثقفات في السنوات الخمس أو الست الأخيرة، وإقامة الورش والدورات التي تناولت أساليب التربية الحديثة، مع وجود وسائل التواصل الاجتماعي التي تضخ سيلاً هادراً من المعلومات والتجارب الاجتماعية والقصص الواقعية الملهمة لم تجدي نفعاً.
أخيراً.. هل من مصلحة الأبناء إخفاء مشاكلهم عن الأب، ما رأيكم؟؟
اضافةتعليق
التعليقات