غدير أنا في وسط صحراءٍ مقفرة موحشة ينساب مائي عذباً يتهادى بين ضفتي فرات. ملجأ للطير من حر الصيف يحط المسافرين عندي لينكثوا أتعاب سفرهم بين مكة والجحفة مكاني ويطلقون علي غدير خم..
شاء الله أن يشرفني ويقرن اسمي بأسم خير خلقه كرمني بمحمد وعلي ومن أنا حتى أنال هذه الكرامة، كل ما سأذكره ماهو شذرة من يوم تعجز الكلمات عن وصفه اليوم الذي صادف الثامن عشر من ذو الحجة من السنة العاشرة للهجرة.
أطلا علي بنورهما صلوات الله عليهما في عشرة ألافٍ أو يزيدون من حجاج مكة ضيوف الله الذين بدت عليهم أتعاب السفر وجدوا في ضفتي شفاء لبعض أتعابهم إنتشروا هنا وهناك يروون ظمئ قلوبهم كانت الوجوه تعتريها حيرة عجيبة، في المؤمنين منهم كانت مصحوبة بحزن عميق ينتظرون من رسول الله أن يستنقذهم ولا يتركهم في حيرتهم.
بينما المنافقين كانت حيرتهم كيف يعيدون سطوع نجمهم الافل الذي حجبه "محمد" بعد أن نعى المصطفى لهم نفسه.. نعم هذا ما فهمته من تهامساتهم رسول الله ودع البيت الحرام وأخبرهم أنها حجة الوداع بعد أن علمهم مناسكهم.
ضاق بي الكون الرحب من أثرِ كلماتهم وما زاد في ألمي وأنا اسمع اصوات من أرادوا أن ينقلبوا على أعقابهم حاولت أن أصرخ فيهم بأعلى صوتي لكني تذكرت أنهم لا يفقهون صوت أمواجي أردت أن ازجرهم ان أُذكرهم بقوله : {أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ }(1) لكن واحسرتاه..
بعد هنية هموا بتوديع بعضهم البعض فكل قبيلة سلكت طريقها وتفرقوا، وإذا بأمر من رسول الله عليه واله صلوات الله أن ردوا من تقدم واحبسوا من تأخر..
عادوا وصطفوا متعجبين متحيرين في عقولهم تدور دوامة من الاسئلة ولا أخفي عليكم كنت أشد منهم حيرة لابد أن يكون أمراً عظيما حتى أمر الرسول بعودتهم.
إصطفوا وحجبوا الرسول عني الا إن نوره لا يحجب فكان أشد نورا من الشمس الساطعة في تلك الظهيرة وارخى عليهم هدوءا شديدا وكأن على رؤسهم الطير والعيون تربوا صوب رسول الله الذي صعد منبراً صنعه صحبه من الامتعة. قام فيهم خطيباً والابصار شاخصة ينظرون الى من استنقذهم من جاهليتهم هل يأخذ بأيديهم مرة أخرى الى طريق الحق والصواب ويهديهم الى الصراط المستقيم؟.
حمد الله وأثنا عليه بصوتٍ وصل أسماع الجميع بألوفهم كان قرآناً ناطقاً يصدح فيهم كلما توغل في حديثه أكثر شدت اليه القلوب والابصار أكثر وكنت أشدهم تركيزا.
بعد لحظات سرت فيهم همهمة فهمت أن شيئاً ما يحدث على تلة الأمتعة تلك، لم أفهم ما يجري حتى سمعتهم يتهامسون: إنه علي... إنه علي كان لهذا الاسم وقعا عجيباً على قلبي تهدأ النفوس عند ذكره، أعرفه جيدا ومن لا يعرف قالع باب خيبر محطم الاصنام وزوج البتول الطاهرة وأخ رسول الله صلوات الله عليه وآله، فهمت أن رسول الله أشار اليه أن يصعد إلى جنبه رفع يده عالياً حتى بان بياض إبطيهما للجميع.
قطع همهماتهم صوت رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ينساب بنداء اخترق الزمن لاح معه هدوءٌ شديد لا يسمع إلا صوت رسول الله قالها نعم قالها:
-أيها الناس من أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم ما كان لهم إلا أن قالوا:
_الله ورسوله أعلم.. وعاد صمتهم الذي قطعه رسول الله (صلى الله عليه واله) مرة أخرى.
-إن الله مولاي، وأنا مولى المؤمنين، وأنا أولى بهم من أنفسهم، فمن كنتُ مولاه فعلي مولاه.
لقد بلغهم النبأ العظيم وهداهم الصراط المستقيم وأعطاهم الوسيلة الى الله لمن (شاء أن يتخذ الى ربه سبيلا )(٢).
لاحت فرحة في قلوب المؤمنين حتى انعكست على وجوههم فأنارتها بنور الولاية فهذا رسول الله يخرجهم من حيرتهم ويهدهم صراط مستقيما لن يضلوا بعده أبدا.
ثم زادهم ب (اللهم والي من ولاه وعادي من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله)، وأعتلت الاصوات مهنئة للامير بخ بخ لك يا علي اصبحت مولى للمؤمنين.
وكما نفوس المؤمنين كنت أنا ولكن أنا أستطيع أن أقوم مثلهم وأصافحه وأهنئه لكنه يختلف عنهم هو يفهمني جيدا كما يفهم الاشجار التي حولي والطيور لقد كان له معنا حديث فنحن أسرى حبه راح كل منا يهنئه بلغته وأنا هنئته بلغة أمواجي.
ما زاد فرحي أن رسول الله أمر أن ينصبوا خيمة ليأخذ البيعة لعلي عليه السلام وهذا يعني أني سأحظى بوقت أطول قرب محمد وعلي صلوات الله عليهم.
وانقضت اجمل ثلاثة أيام في عمري بجوار رسول الله وعلي صلوات الله عليهما ارى الناس يدخلون بأمر رسول الله صلوات الله عليه الخيمة يبايعون علياً (عليه السلام) بالامارة والخلافة.
أنا الغدير الذي يشهد لعلي بالخلافة والامارة، أنا الغدير الذي كرمني الله بمحمد وعلي صلوات الله عليهما فأعلى شأني وذكري، أنا الغدير الذي ينتظر منذ ألف سنة ابن لعلي يقال له القائم يأتي ويأخذ حقي من كل من أنكرني..
اضافةتعليق
التعليقات