نظرت لها أمها ووجهها يعلوه الفرح "يوم امس تمت خطبتك لمحمد ابن جارنا" رفعت رأسها وحدقت بأمها بذهول" محمد؟! الذي هوايته معاكسة الفتيات؟ ألم يتزوج قبل سنة؟".
"نعم تزوج سابقا لكن لا يطيق زوجته فتركها، وتلك فترة طيش ومراهقة الشباب، الآن أصبح أكثر اتزانا ومسؤولية"، انتفضت كطير مذبوح يحاول أن يرفرف عالياً بعيداً لتصرخ "لايمكن أن أتزوج هذا الجاهل، أنا أكرهه لا أعتبره رجلا، ولا يحمل مواصفات زوج المستقبل"..
غادرت المطبخ مسرعة إلى غرفتها وهي ترتعش من صدمة الخبر، فهي تعلم إن قرر والداها أمرا فهو واجب التنفيذ، ولا حياة لمن تنادي.
تقف صامتة تعد العشاء مع والدتها، لتفاجئها صفعة كف على وجهها القمري، فتورّد كحمرة المغيب، أمسكها من شعرها المنسدل على كتفيها وصرخ بوجهها "متى بدأت القطة بالمواء؟ متى أصبح لك لسان لتناقشي والدتك وتخالفين رأينا؟ ستتزوجينه رغما عنك أو سأقتلك بيدي، مفهوم؟" أكمل كلامه ورماها أرضاً والدم قد تجمد في عروقها، تردد في نفسها وهي تجهش بالبكاء: "يا إلهي ما هذا الحظ التعيس؟ أاتزوج من شخص حقير جاهل! لماذا تركتني أصارع الحياة وحدي؟ لماذا سافرت ليختطفك الموت مني؟" تناجي بحرقة قلب خطيبها المتوفي، الذي قرر السفر بسبب شروط أهلها القاسية.
سهرت ليلها تذرف الدموع على ذكرياتها، ترسم في مخيلتها حياتها الأسرية السعيدة مع أطفالها، لكن لاجدوى من الحلم الذي احتضنه الثرى، وعريس المستقبل يمسك بيده حبل مشنقتها.
في الصباح جلست تتناول الفطور، والشحوب يعلو وجهها، كأن الحياة غادرته، فقالت لوالدها بعد تردد وخوف كبيرين: "أبي هل أستطيع التحدث معك؟" أجابها وهو يمضغ الطعام "ماذا تردين؟" "أرجوك أبي ابن جارنا محمد انسان سيء جدا، ليست لديه أخلاق ولا ثقافة ولا دين، كيف اتزوج منه وأنت تعلم الفارق بيننا كبير جدا؟" فضحك بأستهزاء "ولما لا تتزوجيه! ولديه من الأموال ما تجعلك تعيشين كأميرة في القصر، أم لديك شخص آخر كخطيبك السابق الذي بسبب فقره مات، افهمي جيدا أن شهادتك الجامعية لا تهمني، وانت لم تستطيعي من خلالها أن تجدي عملا، سأدخل كشريك معه في عمله، علينا استغلال هكذا فرص أيتها الغبية ههههه".
انكسر عالم طموحها مع أبٍ لايرى غير مصالحه الشخصية، حاولت قتل نفسها لكنها لم تفلح، فلا تريد اغضاب ربها، خضعت للأمر الواقع ولم تعلن موافقتها القلبية على زواجها، اكتفت بالصمت.
وفي يوم عقد قرانها، جلس محمد إلى جانبها يطالع نصره الذي تحقق حين ظفر بجميلة الحي سارة المثقفة، لم تنظر إليه بل كانت تغمض عينيها بقوة، ألبسها عقد ذهبي فخم شعرت به كأنه حبل مشنقة يطوّق عنقها، عاشت معه أياماً سوداء، عذاب نفسي وجسدي لا ينتهي، كان يشعر بنقصه أمامها، جعلها كخادمة في منزله، حالها كحال أي سلعة أعجبته فاشتراها، لتقضي باقي ايامها جسد بلا روح.
الخلاصة: الخوف من مواجهة الآخرين، العدو اللدود لطموح الانسان، لا تسمح له بالنصر مهما كلف الثمن.
اضافةتعليق
التعليقات