قطعت شوطاً طويلاً من البكاء, حتى شعرت بأن محاجري جفت من سيول الدمع, لم يكن بكائي على عزيز فقدته أو مريض أو مسافر, بل كنت أبكي على حالي!.
انهارت جسور المودة بيني وبين زوجي بسبب عصبيتي المفرطة التي تنتابني لأبسط الأسباب, وها أنا أدفع ثمن ذلك, فبعدما باتت لغة الحوار معدمة بيننا بسبب غضبي السريع أو عصبيتي التي جعلته يتجنب الحديث معي, جلس يحدثني في ذلك اليوم ويشتكي من طباعي حتى قرر قرارا حاسما لا رجعة فيه وهو الاقتران بزوجة أخرى.
تمالكني الوجل حيال قراره بأن يبتعد عني بشكل نهائي, وبعد انهياري التام لتلقي الخبر الصادم, تعالى صراخي بوجهه ونعتي له بالخائن وسبه, مما زاد الطين بله ليخرج من البيت دون عودة.
انقضت أيام تحولت إلى أسابيع, ثم شهور ولم يتغير شيء, بل سمعت بنبأ زواجه وكان يرسل لي مصاريف البيت عن طريق أخيه, فقررت تكلفة بعض من المقربين منه بالتواصل بيننا من أجل الأطفال, غير إني تلقيت صدمة أخرى لقرار جديد, وهو الطلاق.
الصمت سيد الموقف
للوهلة الأولى تشعر بأنها حكاية من نسج الخيال، إلا أنها حقيقة تعايشتها سيدة ثلاثينية, خسرت زوجها وبيتها بسبب سلوكها وغضبها السريع, وعصبيتها المفرطة, لتلاقي مصير مجهول لها ولأطفالها بسبب تهورها.
لربما تكون هناك طباع يمكن أن تتوغل في داخل المرء من الصعب أن يتخلص منها, لكن يتوجب عليه بأن يسعى جاهدا لتجنبها من أجل أن لا يصل إلى ما لا يحمد عقباه بسببها ومن تلك الطباع هي الغضب السريع الذي يقود إلى العصبية.
وهذا ينطبق على كل الناس ليس فقط على الزوجين, وعلى سبيل المثال, هناك زوج عصبي يبالغ في تصرفاته وتعامله مع أسرته بكاملها ليس فقط مع زوجته, وهذا ما يجعل كل أفراد الأسرة يتجنبوه ولا يحبون الحديث معه, عكس ما يتصوره هو بأنهم يحترموه.
وهناك من يتخذ الصمت سيدا للموقف, فإذا انتاب الزوج ثورة غضب بسبب موقف ما أثاره, تلتزم الزوجة الصمت حتى لا تتفاقم المشكلة إن ناقشته وهو بتلك الحالة, وكذلك الزوج يستخدم الأسلوب ذاته لتفادي أي احتكاك وهي بتلك الحالة، من الممكن أن يوتر العلاقة الزوجية بالخصوص والأسرة عامة.
وما ذكرنا أعلاه ينطبق على كل من نلتقيهم في حياتنا من أصدقاء عمل، أو دراسة، أو الأقرباء، أو الجيران، وحتى من نعيش معهم من أفراد الأسرة.
التجربة خير برهان
ينقل المحامي (ع-ل) تجربته الشخصية قائلا: "تقدمت لخطبة قريبتي وكنت شديد الحرص عليها لكونها طالبة جامعية, غير أن حرصي الزائد وتدخلي بتفاصيل حياتها جعلها تتذمر, وأعترف أني كنت أخلق من أي تصرف أو كلمة إلى جدال يجعلني عصبي جدا, مما جعلها تتهمني بالشك وهذا الأمر غير صحيح, إلا أن عصبيتني وخوفي عليها كانا السبب الذي يعكس تصرفي ولغة الحوار بيننا".
وأضاف: "انتهت خطوبتنا, ولكن بقيت وصمة أني رجل شكاك تلاحقني, خصوصا بأنها ساهمت بنشر فسخ خطبتنا لهذا السبب، كانت تجربة قاسية وهي خير برهان بأن الغضب السريع والعصبية لا تقود فقط إلى انهيار العلاقات الأسرية بل حتى الاجتماعية فهناك من بات يتجنبني, وأصبحت أكثر حساسية إزاء الموضوع".
ندم بعد فوات الأوان
ضربتها، قالها بحزن عميق، لم أتمالك أعصابي حينما أعلنت نتائج درجات الامتحان النهائي.
والد إحدى الفتيات رفض ذكر اسمه لكنه لم يتردد من سرد ما حصل معه بسبب عصبيته.
تابع قائلا: "خرجت عن شعوري, حينما رأيت نتيجة الإمتحان, أفنيت عمري وأنا أتمنى أن ترتاد ابنتي جامعة الطب, فرضتُ عليها رغبتي دون الإستماع إلى ما تتمناه, أنانيتي قادتني إلى ضربها ومنعها من دخول الجامعة التي اختارتها بحسب معدلها, واجبارها إلى اعادة السنة, غير أن نتيجة تصرفي كانت عكسية, فقد باتت ترفض الحديث معي وتبتعد عني عكس ما كانت عليه في السابق, أصبحت تكرهني, وتنزوي في حجرتها, ورفضت اعادة السنة ولم تخرج من البيت منذ ذلك اليوم، وأخذ الجميع يلومني على ما فعلت, وأولهم والدتها التي هي الأخرى أصبحت تعاملني كرجل غريب, لأني تسببت بانهيار ابنتنا ووصولها لهذا الحال".
ختم حديثه: "أعترف أني بالغت في تصرفي لكنه كان خارج عن أطر الشعور وسرعان ما ندمت عليه فقد كنت وقتها شديد الغضب, ولم أتصور أن ضربة كف وعنادي بإعادة السنة الدراسية تولد كل هذه التبعات, أكرر وأقول كل ذلك بسبب عصبيتي التي أدت إلى أن تصل ابنتي لمصير مجهول, أتمنى أن تكون حكايتي هذه كفيلة بأن يقتدي الناس بالحِلم والتأني إزاء أي شيء يواجهونه في حياتهم".
رؤية اجتماعية
وفي الختام التقينا الباحثة الاجتماعية ضحى العوادي لتشاركنا برأيها حول هذه القضية التي يراها البعض ليست ذات أهمية, حيث قالت: "إن للحب بين الزوجين وبين كل أجناس البشر والكلمات الطيبة التي تكون بينهم, آثارها الحسنة, وثمارها الطيبة, لذلك على الأشخاص يتبادلان هذه الكلمات فيما بينهم وأن يعودوا ألسنتهم على نطق هذه الكلمات مع اجتناب الكلمات الجارحة والقبيحة التي تزرع الحقد والكراهية والبغض والتي تؤدي إلى ابتعادهم عن الآخر روحيا, وفكرياً, واجتماعياً".
وأضافت: "إن العصبية المفرطة عامل مدمر لحياة الفرد الصحية والاجتماعية, وإذا استسلم لها الشخص أو أدعى أن هذه طباعه فسيواجه حياة تخلو من الهدوء والطمأنينة, كما أن التخلص من العصبية ليس بالأمر المستحيل, فعلى الفرد أولا أن يحدد ما يرهقه ذهنياً ويتعب اعصابه في التفكير, ويتذكر الأمور المهمة ليجعلها من أولوياته, لكي ينجزها على أكمل وجه، فالأنشغال فكريا سيجعله يحتفظ بالهدوء لأطول فترةٍ مُمكنةٍ، كل هذه الأمور تجعل الشخص السريع الغضب يبتعد عن الضغوط ويفقده الإحساس بالوحدة, كما من الضروري جدا عدم تحميل نفسه فوق قدرتها, فعلى المرء التوقف عن اعتقاده بأنه فائِق القدرة؛ لأن هذا هو ما يجعه يقع تحت تأثير ضغط كبير يفقده السيطرة ليدخل مرحلة اللاشعور فيتعامل مع المقابل بعصبية مفرطة".
وتابعت قائلة عدة نصائح منها: "حبذا عدم مجالسة الأشخاص السلبيين والمحبطين, وإذا اضطر لذلك فلا يبالي لهم, وأخذ الأمور ببساطة ولا يعطيها أكبر من حجمها, الجلوس مع نفسك حينما تهدأ وتذكر الموقف الذي قادك إلى العصبية، هل كان حقا يستحق الغضب والانفعال, والتفكير بنتيجة غضبك، وتخيل لو أنك تصرفت بهدوء وحكمة ستجد النتيجة عكسية لما بدر منك وانت عصبي, استقبل يومك بابتسامة وتذكر فضل الله عليك بأهم نعمة وهي الصحة, لمجرد ذكر الله يطمئن القلب فتعمه السكينة والهدوء, وتذكر أن العصبية لن توصل لشيء, وأخذ قسط كبير جدا من الراحة والنوم الهادئ".
اضافةتعليق
التعليقات