يعتبر الزواج رابطة قوية تنشأ بين الزوجين، ليسير كل منهما نحو السعادة والاستقرار، وخاصًة خلال المرحلة الأولى من الزواج والتي تعتبر من أهم المراحل في الحياة الزوجية، وهي أحيانًا يتحدد على أساسها الأسس التي تسير وفقًا لها العلاقة بين الزوجين، حيث ينزع كل طرف القناع المثالي الذي كان يرتديه أثناء فترة الخطوبة، وتظهر العيوب والاختلافات بين الشريكين، والتي لم يستطيع كل منهم معرفتها قبل الزواج.
تتحول العلاقة الزوجية في بعض الأحيان ليس نتيجة الخيانة أو الصراعات والنزاعات، ولكن بسبب بعض المفاهيم الخاطئة عن العلاقة الزوجية، والتي قد تسبب فتورا بين الزوجين، أو بعض الخلافات، وأحيانًا تهدد الحياة الزوجية بأكملها.
إنّ قدرة الشخص على التكيف مع التغيرات التي تواجهه في الحياة الزوجية يعتمد على واقعية توقعاته حول الزوج والزواج بحد ذاته، فمثلاً يمكن أن يتوقّع الشخص حياةً رومانسية دائمة أو حياة غير واقعية وهذا يتسبب بالشعور بعدم الرضى عند مواجهة الحقيقة، مما يؤدي إلى الشعور باستحالة إصلاح الأمور.
وان اتخاذ قرار بإنهاء العلاقة الزوجية لا يعد أمرًا سهلًا نظرًا للخوف من الوحدة والخوف من مستقبل غير معروف، ولكن في المقابل يستنزف الزواج غير الصحي وغير السعيد الطاقة البدنية والعقلية على المدى البعيد.
ومن خلال النقاط الآتية نسلط الضوء على أبرز المفاهيم الخاطئة عن الزواج:
1- عدم إرساء القواعد ووضوح الرؤية:
من أكثر الأمور التي تسبب مشكلات في الزواج، وتؤدي إلى الطلاق، هي عدم وضوح الرؤية لكلا الطرفين أو أحدهما، وذلك فيما يتعلق بالطباع والعادات وأولويات كل من الطرفين، ومن الأمثلة اللطيفة والعملية لهذا الأمر، أذكر واحدًا:
في كتاب أحمد أمين "حياتي"، يقول فيه إنه كان يعاني من مشكلتين أساسيتين مع زوجته، أحدهما أنه كان شديد الانطواء والاعتزال في مكتبه للقراءة والكتابة، وزوجته استنبطتْ من تصرفه ذاك أنه يكرهها، وقد أُجبر على الزواج منها، فما كان له إلا أن وضح لها الأمر، وأن هذا طبعه، وكانا قد اتفقا أن يتنازل قليلًا عن بعض عزلته؛ ليكون في صحبتها، وتتخلى هي عن بعض الصحبة في سبيل خُلوته مع نفسه.
أما المشكلة الثانية- فهي أن زوجته كانت كثيرة المشكلات مع الخدم، وكانت تطلب تدخّله لينصفها، ولما لم تَسِر الأمور كما أرادتْ، اتفق هو معها في النهاية أن تُسَيِّر هي الأمور بنفسها فتُحْضِر، وتَصرْف من تشاء، ولا تُشرِكه في الأمر.
بالمناسبة، قد قاما بحل تلك المشكلات بعد الزواج؛ لأنه في الزمن الماضي، العرف كان يقضي في كثير من الأحيان أن يتعرف الطرفان على بعضهما بعد الزواج، ونذكر هذا للرد على من يبرر المشكلات، أو عدم القدرة على التفاهم بعد الزواج، بأن التعارف لم يتيسر، أو لم يكن كافيًا قبل الزواج، والشاهد هنا أنه من أراد التفاهم وتطوير العلاقة مع الطرف الآخر سيفعل دون تردد، ولن يتحجج بقلة تعارف أو عدم حب أو غيره .
فإذن، بمعرفة طباع كل طرف، يتم وضع حد لأي نوع من التوقعات فيما يتعلق بالعادات أو الطبائع أو التصرفات، كذلك إرساء القواعد في التعامل مهم للغاية، وهو دليل على الاحترام والودّ بين الطرفين، فمن دلائل الحب احترام كل طرف لمشاعر صاحبه، ومحاولة التكيف مع عاداته، وإرساء القواعد مهم؛ ليعرف كل إنسان حده في التعامل، فلا يتجاوزه حتى لا يؤذي الطرف الآخر.
2- المجاملة مهمة وليست نفاقًا:
نجد كثيرًا من الناس، يبرر ما هو فيه من المشكلات وسوء التفاهم في الحياة الزوجية بأنه صريح ويكره النفاق، فتجد البعض يقول كلامًا جارحًا لشريك حياته، ويُرجع هذا لصراحته وشفافيته، والإسلام لا يوافق مطلقاً على الإيذاء وجرح المشاعر بصفة عامة، فما بالكم بين الزوجين! لذا، فالمواربة، والمجاملة محبذان في الحياة الزوجية، ولا غضاضة عليهما.
3- البحث عن السعادات المكتملة:
في أحد المقالات الأجنبية التي مرَّت عليّ، يقول الكاتب: "إننا كثيرًا حين نحلم أو نريد أمرًا ما، ننسى أننا حين نحصل على هذا الحُلم، في الغالب سنفقد بعضًا مما نملكه الآن، فمثلًا، المتزوجة ستفقد الكثير من وقت الفراغ بعد زواجها، والتي ترغب بالعمل، ستفقد كثيرًا من الوقت في سبيل الالتزام بالوظيفة، وهكذا... دائمًا هناك مقابل، وعلينا دفعه لا محالة، ولكن نحن من نختار دفعه أو لا".
4- عدم فهم ما وراء التصرف:
فهناك فرق بين انعدام وجود حوار بين الزوجين نتيجة سوء العلاقة أو تباعد الشخصين، وبين انخفاض الحوار اللفظي بينهما نتيجة طول العشرة، وفهم كل إنسان لطبع الآخر دون حاجة لكثير شرح وكلام، وهناك فرق بين ألا يهتم الإنسان بشريكه، وبين أن تكون طريقة تعبيره عن الاهتمام مختلفة، فهناك من يعبر بالكلام الطيب، أو بالهدايا، أو بتقديم المساعدة أو غير ذلك، ولا بأس أن يطالب الشخص شريك حياته بما يحب إذا أمكن، لكن في النهاية يجب تقبل طريقة من أمامنا؛ لأنها أحيانًا تكون طَبْعًا أكثر منها رغبة منه، والتغيير ليس سهلًا وقد يأخذ وقتًا.
5- الحب ليس معادلة رياضيات:
فمعايير نجاح الزواج تختلف من أزواج لآخرين، وتختلف على مدار السنين ودرجة الاحتياج، وما يحتاجه الإنسان في أول الزواج قد لا يحتاجه في آخره أو منتصفه، لذا، نجد أحيانًا أن الذين تزوجوا صغارًا، قد يقررون الانفصال لاحقًا رغم وجود الحب، لا لأن الأساس كان خاطئًا، أو أن الاختيار كان غير صائبٍ، ولكن لأن الظروف والاحتياجات والفكر قد تغيروا، فإذا لم تتغير ردود الفعل حسب تلك الأمور، قد يؤدي هذا الأمر إلى انهيار الزواج.
6- الاعتماد على تغير الشخص بعد الزواج:
ويعتبر هذا الأمر من الأخطاء الجسيمة، وأحد الأسباب المؤدية للطلاق؛ لأنها بشكل أو بآخر تعتمد على التوقعات، فقليل من الناس الذي يتغير من أجل نفسه، فما بالكم بتَغَيُّره من أجل آخر، حتى الوعود والأقسام لا يجب أن يعتمد الإنسان عليها، فكـــم من مُخْلِف للوعد ومُحَنِّث للــــقسم! لا بأس فـــي أن يــــأمل الإنســــان، ولكـــن عليه أن يبنــي قراره -في الزواج بالذات- على المعطيات لا على الآمال.
7- السخرية من مشاعر الطرف الآخر
السخرية وتسفيه الرأي يعتبر هذا الأمر خطأ شائع، سواء فيما بينهم، أو خاصًة أمام الآخرين.
تؤدي السخرية من مشاعر الشريك إلى الإحباط، والانغلاق، وانعدام الثقة، ليصل الأمر إلى عدم الرغبة أو التواصل والحديث.
يجب لفت الانتباه إلى ذلك بطريقة لا تؤدي إلى النزاع، مع مراعاة مشاعر الطرف الأخر، وعدم السخرية، والاستهزاء بها.
8- الإصرار على شخص بعينه:
فالكثير يستمرون في سؤال الله أن يرزقهم الزواج بفلان أو فلانة، ويستخيرون ويستشيرون ويتضح لهم عدم الخير في هؤلاء، ولكنهم يصرّون ويُلِحُّون في الدعاء، ويقول البعض: "إن لم يكن في فلان الخير، فيا رب اجعل فيه الخير"، فالأفضل أثناء الاستخارة في أي أمر، أن نسأل الله الخير بصفة عامة، ولا نحدد أسماء أشخاص أو أشياء، كذلك يجب الاستجابة للرسائل الربانية، والعلامات التي يهيئها الله لنا.
لذا فالعلاقة بين الزوجين تصبح على أكمل صورها، بعد معرفة عدة أمور عن كل طرف من خلال الوقت والمعرفة الصحيحة حيث تتكون الحياة الزوجية من مجموعة من المشاعر والانفعالات والمواقف كما يتخللها مواقف سعيدة أحياناً، ومواقف حزينة أحياناً أخرى لذا فقد جعل الله سبحانه وتعالى العلاقة بين الزوجين سبب سعادة للطرفين، وضرورة من ضروريات الهدوء النفسي والاستقرار في الحياة فبهذا يجب على الشريكين بذل بعض الجهد، حتى تعمل الرابطة بينهم على زيادة الحب والترابط بين الزوجين.
اضافةتعليق
التعليقات