شبه بعض العلماء الفطرة التي فطر الله جميع خلقه عليها كالورقة البيضاء التي يتغير لونها وتتلوث بمرور الزمن بسبب الدخان الذي يحيطها، والفطرة البشرية غير مجبلة لا على الشر ولا على الخير ولكن لديها استعدادات لكلا الأمرين.
وهناك تشبيه آخر ذكره الدكتور في التنمية البشرية واين دبليو دايرفي كتابه "قوة النية" والذي قال: في داخل كل منا كائنان أحدهما مملوء بالغضب والحقد والألم ويتمنى أن ينتقم، والآخر مملوء بالحب واللطف والشفقة ويتمنى أن يسامح، فسأله احد المستمعين: ومن فيهما سينتصر؟.
فأجابه: الكائن الذي تطعمه وتسقيه.
إن البذور المدفونة من شر وحقد ومحبة وتسامح وبخل وكرم... وغيره،غير متوازنة في وجودها داخل الإنسان، ولكن يبقى الإنسان وحده من يحدد ويختار أي البذور التي سيسقيها لتنمو وتتبرعم بداخله لتشكل توجهاته، أفكاره، مبادئه، غاياته، احتياجاته، رغباته، حتى وإن تدخلت الوحدة الأساسيّة التي تنقل الصّفات الوراثيّة من الوالدين إلى الأبناء، والمسمات (العامل الوراثي)، أو البيئة التي يترعرع ويتأثر بها، المسمات العامل (المكتسب) يبقى الإنسان المسئول الأول باختيار صفاته وسلوكياته والسيطرة على شهواته ورغباته.
يقول سيد البلغاء علي بن أبي طالب (ع): "من فكر في المعاصي دعته إليها". لأن هذه الاستعدادات الغيبية هي من تحمل الأنسان وتدفعه لبلوغ كل ما يفكر به ويتمناه. ثم يأتي دور التعود ليكبله الى آخر العمر بصفاتٍ وسلوكيات يمارسها في حياته، وحين يستدرك نفسه وربما تسعفه المواقف أو ساعة صحو ليتخذ قرار تغيير طبع أو سلوك معين، يجد نفسه أمام مواجهة صعبة ومماطلة قوية مع الذات إذا اراد تغييرها، وهنا لا يتطلب الأمر أتخاذ قرارُ لتغييرٍ فقط إنما النجاح مرتبط بالتأكيد والاستمرار على هذا القرار، أو النضال لكي يحمي صفاته الإنسانية مماهو دخيل عليه من المؤثرات الخارجية التي تشعل الكوامن الداخلية وتقتل النبات المخضوضر والذي يعرف من خلاله الإنسان إنه إنسان.
ومن نوادر الحكايات وفيها العبرة والعظة قصة المتصوف الذي كان جالسا يتأمل على ضفة النهر عظمة الخالق فلمح عقربا وقع في الماء وأخذ يتخبط محاولا أن ينقذ نفسه من الغرق.
فقرر أن ينقذه، مدّ له يده فلسعه العقرب.
ولكنه أستمر في المحاولة لينقذه، وعلى مقربة منه، كان يجلس رجلٌ آخر ويراقب ما يحدث، فصرخ بالمتصوف: أيها الغبي، ألم تتعظ من المرة الأولى وها أنت تحاول إنقاذه !.
لم يأبه لتوبيخ الرجل وظل يحاول حتى نجح في إنقاذ العقرب، ثم مشى باتجاه ذلك الرجل وربت على كتفه قائلا:
"يا بني، من طبع العقرب أن يلسع ومن طبعي أن أحب، فلماذا تريدني أن أسمح لطبعه أن يتغلب على طبعي؟!"
فالبذور الصالحة تحتاج إلى سقاية وتدريب لتبقى حية ترزق، ولا يصيبها الجفاف وتتداعى وتسقط، والرابح الوحيد هو من يسقي بذور الحب والتسامح والصبر.
اضافةتعليق
التعليقات