خرجت من ضغط البيت خلسة وسرقت لنفسها بعض الوقت متشوقة لقراءة كتاب ما، بدأت تتصفح الكتب لعلها تجد ما يسليها، مازالت على هذه الحالة حتى وقع بصرها على كتاب "مذكرات مستر همفر"، شدها الكتاب ظناً منها أنه سيرة ذاتية لعالم مشهور في أحد العلوم أو ما شابه ذلك. فما أن بدأت تقرأ حتى بدأت تنقطع عن العالم. غدت لا تود الانقطاع عن القراءة. وكأنها تقرأ عن شخص تعرفه معرفة شخصية وآثاره تملأ مجتمعها وكل من حولها يحمل بصماته، استمرت وكلما كانت تتقدم أكثر يزداد اضطرابها وتبدو الدهشة والذعر على ملامح وجهها النحيل.
وضعت الكتاب على جنب بكل هدوء، استجمعت قواها، وأطلقت تنهيدة أخرجت كل ما في داخلها من غليان حتى أحست بحرارة زفيرها. وضعت رأسها بين راحتيها وبدأت تستعرض في مخيلتها كل ما قرأته بهدوء أكثر وحاولت أن تحتوي ما ذكر فيه وكلها أمل أن تكون هي من أخطأت ولم تقرأه بصورة صحيحة.
(مستر همفر الجاسوس البريطاني في بلاد الإسلام 1710 م...... الى أن قال: غادرت العراق الى لندن في استراحة وهناك قابلت السكرتير في وزارة الاستعمار. رحب بي ترحيبا حارا. وأثنى علي لما حققته من انجاز في انحراف الشاب محمد. وقال بأن الوزير أوكلني بأن أعطيك ما يساعدك في برنامجك المستقبلي لأنك عميل ناجح. ودفع إليه وثيقة تحتوي على 14 بندا لخطط رامية لتحطيم الإسلام. وقال لي بعد أن انتهيت من قراءتها وإرجاعها إلى الوزارة كما أمرني. إننا إذا طبقنا هذه البنود لمدة قرن واحد فقط نتمكن من تحطيم الإسلام).
بدأ جسمها النحيل يرتجف وكأنها داخل كابوس لا مخرج منه. كانت الوثيقة تشرح نقاط القوة والضعف لدى المسلمين وتضع حلولا لكل مشكلة وكيف يمكن لوزارة الاستعمار مواجهتها عن طريق العملاء لإضعاف المسلمين. كل البنود كانت في كفة والبندين اللذين حين مرت بهما في كفة اخرى، شدت شعرها بقوة من مرارتهما. فقد جاء في البند السابع من الوثيقة (7_ نشر الفساد بين شباب ألمسلمين بالزنا، واللواط، والخمر، والقمار). كما جاء في البند الثاني عشر (12_ تمييع شباب المسلمين من بنات وأولاد وتشكيكهم في دينهم عن طريق المدارس والكتب والنوادي والاصدقاء من غير المسلمين الذين يهيئون لهذا الشأن).
شردت بأفكارها وبدأت تطابق هذه الوثيقة التي وضعت قبل حوالي ثلاثة قرون مع ما تراه اليوم من مناظر مخزية تملأ شوارع بلادها من فتيات عاريات وشباب لا يمتون للرجولة بأي صلة. جامعات مليئة بما يتمناه قلب الاستعمار. من علاقات محرمة، أزياء مخزية، تبرج مفرط، وأخلاق منحطة.
يا إلهي!! أدركت أن الخطر لا يدق اجراسه فحسب بل أقتحم مجتمعها الضعيف من دون أي استئذان. كيف ذلك؟! لماذا؟. لما افسحنا له المجال؟. أنحن ضعفاء الى هذا الحد؟!.
كل هذه الأسئلة بدأت تجول في رأسها بدت وكأنها تود الصراخ بوجه كل من تراه وتحمله مسؤولية ما وصل اليه المجتمع اليوم. هكذا تعبوا. وجاهدوا. وتغربوا. وفنوا أعمارهم وأموالهم من أجل تحطيم الأسلام. هذا ما رموا اليه منذ عدة قرون. لم ييأسوا ابدا. وها هم الآن يجنون ثمار صبرهم على كسر شوكة الأسلام بأهم شريحة في المجتمع وهي شريحة الشباب.
ونحن بكل سهولة وخفة عقل نتخلى عن عقيدتنا، ومبادئنا، وديننا ونلهث وراء كل ما يأتينا من الغرب. من أزياء وثقافات مشينة، ضعف الدين. وذهب الوعي في مهب رياح التطور، وانسحب الاهل من المعركة وأستسلموا للأمر الواقع، وخلت ساحة المعركة للثقافات الغربية ضد شباب، ضعاف النفوس، صغار العقول، مجردون من الوعي الديني، يخضعون كالعبيد لكل ما يصدر إليهم من ثقافات، يأكلون كل ما يقدم إليهم دون أي تحقيق عن مصدره. يلبسون كل ما يعرض عليهم. لم يكترثوا بذلك لأي دين ولا عادات ولا تقاليد. لا هيبة لأب ولا أستحياء من أم. لما الاستغراب؟ سبق وأن قالها رسولنا الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم):
(سيأتي زمان على أمتي يحبون خمسا وينسون خمسا يحبون الدنيا وينسون الأخرة، ويحبون المال وينسون الحساب، ويحبون الخلق وينسون الخالق، يحبون الذنوب وينسون التوبة، يحبون القصور وينسون القبور قالوا وسيأتي هذا الزمان يا رسول الله قال بل سيأتي أعظم قالوا وما هو قال لا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر قالوا وسيأتي هذا الزمان يارسول الله قال بل سيأتي اعظم قالوا وما هو قال يرون الحق باطل والباطل حق).
ها نحن في زمان لا يمت بأي صلة لأهل البيت ولا إلى تعاليمهم وأخلاقهم. لم يبقَ من الأسلام إلا رسمه. ها نحن مسلمون بلا أسلام!.
إكتفت بأن تمسح دموعها وترفع يديها بكل ألم داعية بتعجيل الفرج وإنقاذ الإسلام على يد ذلك النور الذي سيجلي الظلام المحيط بنا. ادركنا يامولاي فقد ضاقت صدورنا.
اضافةتعليق
التعليقات