قال الإمام علي عليه السلام: "لا يكونن المحسن والمسيء عندك بمنزلة سواء، فإن ذلك تزهيد لأهل الإحسان في الإحسان وتدريب لأهل الإساءة على الإساءة، فالزم كلاً منهم ماألزم نفسه أدباً منك".
يطرح الإمام علي عليه السلام في هذه المقولة قاعدة انسانية وأخلاقية واجتماعية وتربوية بل وإدارية تشكل قاعدة لأي منظومة اجتماعية أو تربوية أو إدارية. إذ أن من الطبيعي والعقلائية عدم المساواة في المكانة والمعاملة مع من يحسن في سلوكه وينجز عمله ويقوم بواجبه، وبين من يسيء في سلوكه ويتخاذل ويقصر في عمله، ذلك أن مقتضى المساواة بين المحسن والمسيء هو إلغاء الفارق بين المحسن والمسيء وبين الإجادة والتقصير، وكذلك جعل المحسنين ومن يحرصون على الإجادة غير مهتمين وغير راغبين بالإحسان والإجادة، لأنهم يروون تساويهم مع المسيئين والمقصرين في المنزلة، ومن جهة أخرى سيجرىء المسيئين على الاستمرار في الإساءة بل والتمادي فيها فمن أمن العقوبة أساء الأدب.
على المستوى الإداري في أي مؤسسة العنوان الأكبر الذي يُسيرها وينميها ويطورها هو مكافأة وتكريم المحسنين والمجدين، ومعاقبة المسيئين والمقصرين، ومن دون وجود هذه القاعدة فإن المؤسسة ستؤول إلى الفوضى والخراب والصراع بل والسقوط في نهاية الأمر، أما على المستوى التربوي فإن الله هو من شرع هذه القاعدة لجميع البشر وفرق بين المحسن والمسيء بقوله في سورة غافر {وما يستوي الأعمى والبصيرُ والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسيء}.
ولذلك على المؤسسات التربوية أن تُفعل هذه القاعدة على الصعيد التربوي ليدركها الأطفال ويدركون التفاوت بين الإحسان والإساءة والفارق بينهما وأثرهما على الصعيد الشخصي والحياتي. إن مجرد غياب هذه القاعدة عن أي مؤسسة تربوية سيفقدها رسالتها التربوية وسيحولها لمؤسسة معاكسة تماماً على صعيد ترسيخ القيم والمبادىء وضرورة اكتسابها من قبل المتعلمين، وسيجعل الطلاب عاجزين عن إدراك القيمة الكبيرة للإحسان والنفور من الإساءة، وهذا ما سيشكل لديهم خللاً قيماً في مبادئهم ومعتقداتهم.
كذلك على مستوى تربية الأسرة والتنشئة الاجتماعية من المهم ترسيخ هذه القاعدة التي يرسيها الإمام علي عليه السلام عند الأبناء ليدركوا قيمة الاحسان ومساوئ الإساءة والتقصير من خلال معاملة الوالدين لهم طبقاً لإحسانهم أو إساءتهم، والتي يفترض أن تكافىء وتعزز إحسان أبنائها، وتعاقب إساءتهم، ولذلك كثير من المشاكل التي تشتكي منها الأسر مرجعها عدم تعزيز قيمة الإحسان كقيمة إنسانية تستحق التقدير والمكافأة، والوقوف بوجه الإساءة والتقصير الذي يصدر من أبنائهم كسلوك سلبي وخاطىء.
اضافةتعليق
التعليقات