لطالما ردد الناس على اذهاننا جملة البيوت اسرار، فأصبحنا على يقين بأن خلف جدار كل بيت ألف قصة وقصة، بين حلاوة العلاقات ومرارة المشاكل، بين تقبل الشريك والنفور منه، هنالك أسباب معينة تجبر الشريكين على الانفصال، وأعلنت السلطة القضائية الاتحادية في العراق أن حالات الطلاق ارتفعت بنسبة 70% في السنوات العشر الأخيرة. وأصبحت تسجل حالات الطلاق أكثر من 60 ألف حالة سنوياً. لأسباب ربما تعود الى التحرر الفجائي الذي شهده المجتمع من دخول الإنترنت او بث المسلسلات التركية التي تظهر واقعاً لا يمت بواقع الإسلام أية صلة لتزرع في عقول الشباب والبنات توقعات خرافية، وعقائد خاطئة يحاولون تطبيقها على ارض الواقع وعلى حياتهم الشخصية فينتهي المطاف بعدم تقبل الشريك لهذه الأفكار البعيدة عن الواقع المجتمعي فينتهي بهم المسار الى الانفصال، ولكن ما تخلفه نار الطلاق هي اكبر من مجرد رماد، لأن الضحية هنا، سيكون عدد من الأطفال الذين لم يكن لهم أي ذنب من كل الخلافات التي عاشها الوالدين، ولم يكن لهم أي دور في القرار الذي اختاره الوالدان لهما، سوى ان يختاروا العيش مع احد الوالدين، والابتعاد عن الآخر!.
فالمرأة على وجه الخصوص تتحمل عبئاً كبيراً في تربية الاولاد والتعامل معهم بصورة سليمة، لأن عليها ان تقوم بدور الأم على أكمل وجه وتعوض فقدان الأب كذلك، خصوصاً ونحن نعيش في مجتمع شرقي ضيق التفكير خاصةً في نظرته للمرأة المطلقة.
فلا يكفي للمرأة ان تتحمل صعوبة العيش وتربية الأطفال بل يتوجب عليها ان تتحمل هذه النظرة الدونية الموجهة لها ولأطفالها الذين يدفعون ثمن زواج فاشل وتصرفات اب غير مسؤول.
فهنالك الكثير من الرجال يتغاضون عن متابعة أطفالهم وينشغلون بحياة وزواج جديد، وينسون تماما بأن لهم أولاد يستوجب عليهم متابعتهم وتحمل مسؤولياتهم والقيام بواجباتهم على أتمّ وجه من الناحية العاطفية وحتى المادية (الإنفاق).
فيعيش الطفل جراء ذلك حياة صعبة واحداث مختلفة من الممكن ان تؤثر سلباً على نفسيته وصحته، خصوصا إذا أشعره المجتمع بأنه أدنى من الباقين وانه يفتقد لجزء مهم في حياته، فالشعور بنقص الاهتمام من قبل الوالدين له دور سلبي على الطفل، لأن الإحساس الدائم بالقلق من أن يتخلّى أحدهم عنهم وأن لا يعاودوا الاهتمام بهم وباحتياجاتهم العاطفية والتربوية تبقى ترافقهم الى فترات طويلة من حياتهم.
للمجتمع هنا دور كبير في تعزيز الثقة في نفوس الأطفال، وعندما نقول المجتمع فاناول مكان من الممكن ان يرتاد الى ذهننا هو المدرسة، فالمعلم والمعلمة يجب ان يعاملوا الطفل بطريقة إنسانية كبيرة وان يراعوا انفصال الوالدين ويكونوا على دراية كاملة عن حالة الطفل ونفسيته، لكي يمتنعوا عن احراج الطفل امام زملائه بطلب حضور والده مثلاً الى المدرسة، او شرح حالته الاجتماعية في البيت امام الطلاب، كما ان تربية الأطفال على تقبل اصدقائهم الذين تربوا دون اب له تأثير كبير على نفسية الطفل.
وما يثير الأسف هو ما تذكره احدى الأمهات التي انفصلت عن زوجها لأسباب شخصية بأن طفلها الذي لم يتجاوز عقده الأول يعاني من مشاكل نفسية بسبب الانتقادات التي توجه له من قبل اصدقاءه في المدرسة، فإن الكثير من الناس ينتقصون من شخصيته لكونه تربى على يد امرأة وليس على يد رجل، وغالباً ما يقولون له "تربات نسوان"، ويقللون من شأنه لكونه تربى بين أحضان امرأة!.
وهذه النظرة السوداوية زرعها الكبار في عقول الأطفال، على ان الطفل الذي يتربى بين كنف المرأة سيكون اقل شأناً من الطفل الذي يتربى في ظل الأب حتى وان كان الأب رجل غير مسؤول وغير مهتم بتربية اطفاله!.
كما ان الطفل الذي يعيش نوع من التشتت العائلي والفراغ العاطفي يكون أكثر عرضة للاستغلال الإرهابي الجنسي أكثر من غيره، فهذا النوع من الأطفال يكونون بمثابة الصيد السهل للعصابات الإجرامية، لذلك من المهم جداً ان تتمتع المرأة بشخصية قوية لقيادة الطفل ومتابعته وسد احتياجاته العاطفية حتى تحميه من أي تعرض خارجيمن الممكن ان يلاقي مصير الطفل.
فالخطوة الاولى لإنقاذ الأطفال هو تربية المجتمع وفق معتقدات إنسانية بحتة، والخروج من إطار التخلف الذي طمرنا فيه حياتنا وحياة الجيل الجديد. وغرس مفهوم ان الكل سواسية امام الله في نفوس الاولاد، وتعزيز مكانة المرأة وتقوية دورها في المجتمع لتتمكن من مواجهة الصعاب وتتمكن من تربية اطفالها بصورة صحيحة على الرغم من غياب الرجل.
ففي كل الأحوال المرأة انسانة معطاءة وقادرة على تحدي عقبات الحياة وبناء مستقبل جيد لها ولأولادها الذين تخلى والدهم عن مسؤوليتهم، فحب الأبوين لأطفالهم فطرة، وتربيتهم وفق النهج الإسلامي والإنساني واجب، لأن أي خلل في سلوك الأطفال سيعكس سلباً على الطفل نفسه وعلى المجتمع أجمع.
اضافةتعليق
التعليقات