هنالك حكمة تقول: لا تكن ذلك الشخص الذي نسيَ عقله وعاش بقلبه فأصبح بين الناس مجروحاً. ولا تكن ذلك الشخص الذي نسيَ قلبه وعاش بعقله فأصبح قاسياً بلا مشاعر. وليكن دوماً قلبك صديقاً لعقلك، فينبض قلبك بما في عقلك، فتجتمع الحكمة بالمحبة .
العقل والقلب كلاهما غير مرئي لنا، لكن مفعولهما سوي سحري، فهما سلاحان إن “عقدنا القران بينهما” سننجح في جميع علاقاتنا ومسيرتنا .
لكن ما الفرق بينهما؟
إن العقل هو شيء لا يُرى بالعين المجردة، أي ليس باستطاعتنا أن ننظر إليه، لكننا نميّزه عند الأشخاص حسب تصرفاتهم.
أما القلب فهو أيضاً لا يُرى لأنه داخل جسم الإنسان، فهو الملَكة المسؤولة عن العواطف والمشاعر والإحساسات، لهذا ينقسم الأشخاص الى ثلاثة أقسام، شخص عقلاني، وآخر عاطفي، وثالث قد جمع الأمرين مع بعضهما .
الشخص العقلاني: هو الذي يفكر ويأخذ قراراته غالباً حسب ما يطلبه عقله، غالقاً الأبواب على قلبه.
والشخص العاطفي: هو الذي يأخذ أغلب قراراته حسب متطلبات قلبه .
أما الشخص الثالث: فهو الذي يأخذ قراراته حسب ما يطلبه عقله، لكن بمزيج من القلب والعواطف والمشاعر، كالرأفة والحنان والرحمة.. وهذا ما نجده عند أنبيائنا وأئمتنا (سلام الله عليهم).
فمثلاً إذا مررت بسائل أو فقير بصحة جيدة وطلب منك المال، هل ستعطيه؟. إن الأشخاص الذين يستخدمون معظم الأحيان الجانب العقلي لديهم سيقولون لا بالطبع لأنه بصحة جيدة، فليذهب ويعمل ليجني المال.
فالإنسان العقلاني من النوع الأول هو الذي يأخذ قراراته حسب متطلبات عقله ولا يستخدم الجانب العاطفي لديه إلا بندرة، فتكون أمواجه ملغية من شدة الجفاف لديه، فهو من الممكن أن يكون مرّ بتجربة أليمة، فصمّم أن يلقي التراب ويدفن الجانب العاطفي لديه خوفاً من أن لا يُجرح مرة أخرى، فإنه في وجهة نظره سيتجنب أية خيبة أو انكسار ستواجهه في المستقبل، لكنه لا يعلم أنه بذلك سيسبب الأذى الكثير لنفسه ولحياته من دون أن يدرك ذلك، إذ أنّ حياته ستصبح كالثلج برودةً، فلا جاذبية لحياته إطلاقاً، لأنّه قتل الإحساس لديه، وحرم نفسه من التلذذ بطعم الحياة الحقيقي.. والأشخاص لا ينجذبون الى هكذا نموذج، لأنه ببساطة لا يبعث نحوهم بأية طاقة حب لجذبهم .
ونقصد بالشخص العاطفي أي الإنسان الذي لا يستخدم عقله كثيراً ويستخدم معظم الأحيان قلبه، فتراه يتأثر بسرعة بالأمور البسيطة، وترى قرارته تنبع عن سذاجة، فهو يحيط نفسه بهذه "الطاقة الجبارة" ويبعثها نحو الآخرين وهذا في ذاته أمر رائع ومهم، لكنه لا يعرف متى وكيف ولا مقدار كمية الطاقة التي يبعثها لهم، وهو أمر أهم..
فبذلك سيتأذى كثيراً، لأنه ببساطة لم يستخدم الجانب العقلي لديه أو استخدمه بشكل ضئيل، وهكذا سيخسر الكثير من العلاقات وتصيبه الخيبات بسرعة.
فالحب هو طاقة عظيمة تحيط الإنسان من كل الجهات، ومن يمتلكها لا يحتاج الى تشخيص الأطباء ولا الى مباضع الجراحين ولا الى الأدوية والمهدئات. الحب هو بحر واسع يجد السابح فيه متعة كبيرة، إذ هو الجمال، وهو العطاء، وهو الحياة، وهو أساس وجودنا على هذه الإمبراطورية العظيمة، لكن بشرط علينا أن نتعلم كيفية استخدامه .
كذلك هو أعظم وأنقى طاقة يرق معها القلب، فهو ليس بأمواجٍ عادية فقط.. بل هو أمواج خارقة وشديد التأثير في المحيط والأشخاص، فإن جعلته يحيطك بمزيج "العقل" فإنك ستوجه إليك الأمواج الإيجابية والحوادث السعيدة وستمنع وصول أية طاقة سلبية إليك .
فإن كانا مجتمعيْن لديك -القلب والعقل-، ينبغي أن يكونا حافزاً لك، للإيمان والعمل والنجاح ..
إنها حقاً طاقة عظيمة، وليس هناك شيء أعظم من طاقة الحب وحتى تتفاعل معنا هذه الطاقة الهائلة يجب أن نكون على وعي كبير بها، لكي تعمل لصالحنا. لكن كيف نكون على وعي كبير بهذه الطاقة؟؟.
عن جبران خليل جبران: "إن ما يريده الحب هو أن يكتمل" .
يكتمل بماذا؟ نعم، فلعل بعبارته الموجزة يقصد به “العقل” ليكتمل. فإن مزجناهما مع بعضهما ستُصنَع “شيفرة السعادة” الخاصة بكلّ منّا، حيث يكون الإنسان حكيماً وفي الوقت ذاته يكون جذاباً ومحبوباً عند الناس، لأنه بحكمته عرف الطاقات الموجودة في الحب وعرف كيف يوجهها ويتحكم بكميتها ولمن يمنحها أو من يستحقها .
فإذا أحببت شخصاً أعطِه كل يوم مقدار حب معقول، أي لا تعطِه كمية ضئيلة جداً فتسبب الجفاف لديه، ولا كثيرة جداً لتخنقه وتجعله هارباً منك.. فتقتل العلاقة وأنت تائه لا تعرف السبب.
إنّ الذي يريد أن يكون موفقاً في علاقته مع الخلق؛ ومؤثراً في الغير؛ وناجحاً في مسيره؛ عليه أن يتخلق بالأخلاق التي يدعو لها الله عز وجل.. فمن كان على صلة وثيقة بالله، سيضفي عليه شيئاً من صفاته، ومن صفات رب العالمين أنه: حكيم، عليم، ودود، رؤوف، كريم، رحيم.
فالرسول الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله) وعترته الطاهرة هم من جمعوا بين القلب والعقل، ومزيجهما يؤدي الى حالات الإطمئنان والإستقرار النفسي وهذا ما يحتاجه الإنسان، فالإثنان مع بعضهما مرغوبان وإن استغنى الإنسان عن أحدهما فسيصبح هنالك خلل كبير في حياته وفي علاقاته وحتى في مصيره، وأجهل الناس من ترك أحدهما.
فالحب هو أن يجعلك تصرخ شوقاً ليس لتسمع الناس بل لتسمع نفسك، لتقتل الأنا الصغيرة فيك، لتنعشك بنسمة من النعيم وترويك، تقطعك عن الدنيا، لكن، ليس لتؤذيك!، بل لتعود لمحبوبك وخالقك وتبيد مساويك..
الحب ولد على هذه الإمبراطورية ليكبر ونكبر معه فالحب الصادق ينبعث من المحبة الصادقة لله فإذا أحببت “الله“ أرشدك هذا الحب لمحبة "أجزاء الله".
ونحن بوعينا المحدود نبحث عن “الأجزاء” وننسى الله الذي هو “أصل الحب“ وملهمه وحاميه..
قال الشاعر:
يقولونَ لي: باللهِ هلْ أنتَ عـاشقٌ؟ فقلتُ : وهلْ يومًا خَلَوْتُ مِنَ العِشْقِ
شربتُ بكاسِ الحـبّ في المهدِ شربةً حــلاوتُها حـتّى القيامةِ في حَلْقي
بل إنّ الحبّ الحقيقيّ لله تعالى ليس له حدود ويبقى ويبقى دون أن ينفدَ، وبتعبير الشاعر :
شربتُ الحبّ كأسًا بعد كأسٍ فما نفدَ الشراب ولا رويت
لكن مع الخلق الأمر “مختلف“ فينبغي أن يكون بكميات ذكية، فنعمة القلب والعقل تغني الإنسان وتجعله ملكاً رحيماً على مملكته.
اضافةتعليق
التعليقات