هناك مشكلة حقيقية في الخطاب الشعبي الموجه للعامة بما يخص الحجاب، أولئك الذين يقولون الحجاب لا يخفي الجمال، الحجاب يجعلك أجمل، مع إرفاق صور لفتيات محجبات فاتنات يتدفق السحر من أردانهن، وتزدهي بهن الأيام، وتلون ساحاتها كورد ربيع.
هذا الخطاب آخذ بالتفاقم، رفقة بالخطاب الآخر الموازي له بالانتشار والمساوي له بالقوة والذي يجعل من الالتزام بالحجاب باباً للحصول على احترام وتقدير المجتمع وأعلى المراتب الدنيوية وفتح أبواب النصر والرزق وقضاء الحاجات.
ولكن لحظة لماذا نرتدي الحجاب حقاً؟
هل لنحصل على ميزات في هذه الحياة الفانية؟ هل هو من أجل الناس الذين لا يستطيعون جلب النفع ولا الضر لأنفسهم؟ هل هو من أجل الجمال؟ ويا لها من طريقة ملتوية وصعبة للوصول إلى الجمال! بدون حجاب كل النساء أجمل... حقيقة لا تقبل النقاش، أنا امرأة واستطعت أن أرى كل النساء اللواتي لا يظهرن ظلالهن لغير محارمهن وأؤكد إنهن أخاذات بحق بدون ذلك الرداء الثقيل الذي يغطيهن ويعزلهن عن الهواء العليل.
لكن هذه هي بالضبط علة الحجاب! نرتدي الحجاب لكي لا نكون جميلات للغاية، النساء مخلوقات ليكن جميلات، والحجاب يقيد ذلك لأسباب عديدة منها حمايتهن، ليست الغاية أن تسلبي الألباب بمظهرك المحتشم صديقتي.
ثم لنفترض إننا لا نعرف علة الحجاب، لا يهم، ليس ضرورياً أن نعرف، لأن الإنسان غير قادر على إدراك كل شيء بعقله وحده، هو محدود مهما اجتهد، ولكن ما نعلمه على وجه التأكيد أنه فرض، فرض ممن؟ من الله تبارك وتعالى الحكيم العليم ذو الجلال والإكرام والفضل والإنعام، فأحكامه لا تخطئ ولا تضر بعباده وكلها عطف ولطف ورعاية وحنان، ووجوب طاعتها مؤكد فهو الخالق الذي بفضل رحمته الواسعة وحدها نعيش، وإليه نلتجئ في الشدة والرخاء، لذا يجدر بنا التأدب في حضرة العظيم الأعظم، نحن لسنا في تجارة مع الله نقوم بالفرض للحصول على مصالح زائلة وإن لم يعطينا إياها تركنا الفرض، نحن نعبد الله من أجل عبادته، نادانا فأجبنا، فللإيمان حلاوة، وفي القرب منه طمأنينة، ونحن مطيعون لأوامره ومنتهون عن نهيه وإن كان في ذلك ألم وتعب آني، فما الحياة الدنيا إلا متاع سريع الزوال كيوم أو بعضه، وما نريده هو حسن المقام في الآخرة، ولو كانت راحة الدنيا هي المنشودة فما تكبد الأنبياء وأتباعهم العناء، ولا سار على درب الدين أحد.
نتفق على أن الحجاب ليس أهم المواضيع في الحياة، ولكنه مظهر من مظاهر التسليم للواحد القهار بالنسبة إلى النساء، وبما إنني امرأة فالأجدر بي الحديث عما يتعلق بالنساء، ولا يجدر بما هو بديهي أن يأخذ حيزاً كبيراً في ميادين النقاش، فهو إضاعة للوقت والطاقات والفكر، إنه مبدأ بسيط إن كان واضع الحكم هو الكامل فلا يجدر بالناقص إلا أن يطيع إن كان مؤمناً بالرسالة التي يتعبد بها حقاً، وعن طريقها يطلب من الله إجابة دعواته والغفران، وبينما تبكي نساء غزة في أحلك الظروف على سترهن ويفعلن المستحيل ليستشهدن في حجابهن، نحن ما زلنا نناقش هل يخفي الحجاب الجمال أم لا؟ يا له من عالم فقد هداه!
اضافةتعليق
التعليقات