في الساعات الأولى، من صباح يوم الأحد السادس والعشرين من جمادي الأول، من عام 1429 ه . وعندما كنت أبلغ من العمر ثمان سنوات، فتحت التلفاز، رأيت في إحدى القنوات الدينية، صورا عديدة لرجل دين، كأنني رأيته من قبل.
جموع غفيرة من الناس، رجال، شباب، علماء وغيرهم، بعدها بلحظات، جاء البعض يحملون جنازة على أكتافهم، رأيت شيئا غريبا، الجميع يحاول أن يلمس أطراف القماش المغطى به التابوت، في اليوم التالي صدر بيان عن وفاته وتشييعه، وقد قيل إنه جرى تشييعه في قم المقدسة، وصلى عليه عمه المرجع المقدس السيد صادق الحسيني الشيرازي، ثم نُقلت جنازته إلى مدينة النجف الأشرف، وشُيّع تشييعا مهيبا، وأخيرا وصلت الجنازة إلى كربلاء المقدسة.
عجيب هو ذلك الأمر! من عش آل محمد، ثم إلى نجف السلام، وبعدها إلى كربلاء العشق، حيث هناك ترقد الروح وترتاح، لكن أي سر هو فيك أعظم؟.
مرت سنوات ثلاث تقريبا، بدأت أبحث عنه، كلماته، محاضراته، الظلم الذي تعرض له، جوانب من حياته، إلى أن شاء القدر وتعرفت على الأقربين من أرحامه، حينها بدأت أتعرف عليه أكثر.
وأكثر ما شدني إليه، حبه وعشقه لسيد الشهداء؟.
فألقيت سؤالا على إحدى العلويات الطاهرات من بناته: ماذا كانت تعني له الشعائر الحسينية؟ وكيف كان يحييها؟.
فأجابت: ورد في الحدیث الشریف (كلنا سفن النجاة ولكن سفينة جدي الحسين أوسع وفي لجج البحار أسرع).
بالنسبة للسید رضوان الله تعالی علیه، الشعائر الحسينية كانت تعني له التعامل الاستثنائي مع قضية استثنائية، كان يرتدي السواد طيلة شهري محرم وصفر إظهاراً للحزن على سيد الشهداء، وإنه كان يتجنب شرب الماء البارد مواساةً للحسين صلوات الله عليه، وكان يلقي محاضرات قيمة يشجع فيها المؤمنين على تكريس حياتهم للمشاريع الحسينية، وإظهار الجزع على مصيبة الحسين (ع) ونشر الثقافة الحسينية والاستفادة من أيام عاشوراء لترسيخ الولاء لأهل البيت (ع).
وأيام العشرة لم نرَه مبتسما مرة واحدة، وكان الحزن يكسو وجهه، أيضا خلال هذه العشرة (عشرة محرم) لم يكن يتسوق للبيت.
ثم قلت لها: كثيرا ما ألاحظ في كلام السيد الوالد ومحاضراته، الإصرار والتوصية على تربة الحسين، وهي حكاية أخرى، فهل كان يعتبرها إكسيرا أعظم؟.
فأجابت: لقد دلَّتْ الروايات الشريفة على عظمة تربة الإمام الحسين (ع) والشفاء الذي جعله الله فيها، ولذلك كان يوصي بالاهتمام والتبرك بها وألا يقطع المؤمن الأمل من أن يشفى بها.
ومن ضمن أسئلتي لها: ما الشيء الذي كان يدعوكم وبإصرار بأن تقدموه لسيد الشهداء؟.
فتفضلت قائلة: بأنه كان يدعو لنشر رسالة الإمام الحسين (ع) من خلال الكتابة والخطابة، ومن خلال الفضائيات والانترنت وسائر الوسائل المؤثرة، وكان يوصي بأهمية التبرع للمشاريع الحسينية وبناء الحسينيات حيث انها من ابرز مصاديق الحسنة الجارية. وايضا كان يشجع جميع العوائل أن يلتزموا بإقامة المجالس البيتية لسيد الشهداء، حيث ان فيها دفعاً للبلاء واستجلاباً للبركة.
وأخيرا قلت: كيف كان يصف شوقه لكربلاء وللحسين وماذا كان يدعو دائما لدرجة أن الحسين دعاه للرقود معه براحة وسلام؟.
فأجابت بأنه کان دائما یدعو فی صلواته: اللهم اجعل عواقب امورنا خیرا بالنبي وآله، وفي وصیته التي کتبها لیلة استشهاده، كان فیها وصايا لجوانب متعددة ثم كتب بعد ذلك: اللهم اغفر لي بمحمد وآله الطاهرين، وهذا یکشف عن تعلقه بأهل البیت في تلك اللحظات الأخیرة من حیاته، حیث طلب منهم الشفاعة، فالذي یقضي عمرا في ولاء وخدمة أهل البيت (عليهم السلام) لا ينساهم في تلك اللحظات الأخيرة.
وختمت كلمتها متفضلة: بأن السيد الوالد (قدس الله نفسه)، كان يؤكد كثيرا على أن الانسان يجب أن يعيش في أجواء أهل البيت (عليهم السلام)، لهم روحية اخرى في اولئك تجدون الحیاة الطیبة والنفس المطمئنة، فنحن إذا شعرنا فی حیاتنا بأنه هناك إشكال، یوجد خلل، حیاتنا لیست طيبة، قلوبنا لیست مطمئنة، هذا دلیل ابتعادنا بمقدار عن النبي وتعالیمه وعن أهل بیته صلوات الله وسلامه علیهم.
بعد تحدثها عن سماحته شعرت وكأن قلبها يقول: كان فقدك أكبر وأول حزن أواجهه، كُنت شيئاً عظيماً مُحاطاً بالأمان، مُمتلئا بالحب المباح والعطاء الذي لا ينتهي، كان وجودك يا أبي سلاماً ورخاء والآن أصبحت حديقة بلا ماء!! فكيف بك الارتواء فأنا ضمأى؟؟.
لكن! آل المجدد أقمار، تتأملهم، تدركُ حينها أنّ البذل ما هوَ إلا وصل، تحاول إقتفاء أثر الضوء الذي تركوه دليلاً لك.. أولئك: الذين بذلوا مهجهم .
للقبور وما تحوي من أجساد وأرواح سادتي سلام الله ورضوانه عليكم الى يوم تبعثون.
رحل الرضا.. فرضينا بالرحيل..
فهو أمر الله العزيز الجليل .
اضافةتعليق
التعليقات
Lebanon2017-03-07
فقط ارجو توضيح من الكاتبة آمنة - كيف بدأت البحث عنه و و الخ - و هي في عمر الحادية عشر ؟!
نرجو التوضيح - لعله التبس علي الأمر