من درر شيخ الأئمة عليه السلام : الْمَاشِي فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَالسَّاعِي بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ.
ربما جميعنا سمعنا عن تلك المبادرات الجميلة بين الجيران و الأقارب وحتى العامل وصاحب عمله في الماضي حيث كانت القلوب تشعر ببعضها البعض والبركة تحيط بكل شيء من كل جانب في الأعمار و الأموال و النفوس فقد عرفوا سر السعادة و النجاح (العطاء) رغم عدم دراستهم في الأكاديميات و الجامعات و نيلهم الدراسات العليا.
بالتأكيد لا دخل للدراسة بالأمر ولكن من باب ما وصلنا اليه من تكبر و فخر أذكر ذلك بأن الباطن الجميل يسبب نيل السعادة شئنا أم أبينا أو اذا اراد الخلق بأن يسقط واحد ويريد الله أن يرفعه سوف يرتقي رغما على الجميع فمن الأمور التي كانت متداولة في الماضي بين الناس قضية (قرض الحسنة) كم من شاب تزوج و أصبح صاحب عمل و مشاريع أو ملك البيوت و ما الى ذلك بواسطة قرض الحسنة ففي ذلك الزمن لم يكن يحتاج الى البكاء و التوسل بهذا و ذاك بل اصحاب الشهامة كانوا منتشرين في كل مكان فبالتأكيد كل منا سمع عن قصة حياة الآباء والأجداد و تلك البطولات التي لا مثيل لها حيث اننا نصبح حيارى امام تلك النفوس العظيمة التي تركت البسمة في قلب من حولها.
ولكن بمرور الزمن أصبحت مساعدة الآخرين من الأمور التي تجلب الهم و التعب فكثيرا ما نسمع حكايا الناس و تذمرهم عما جرى عليهم و انهم قد غُدروا بواسطة أقرب الناس اليهم حيث ان البعض يلعن نفسه و يدعي على نفسه بالسوء أو يغلق الأبواب و يعاند مع نفسه والآخرين و بهذه الطريقة يريد أن ينتقم !
ممن؟
اذا نكون كمن أساء الينا و غدر بنا فما الفرق بيننا؟
اذا نجيب الاساءة بالاساءة فما الفرق بيننا ؟
ربما أحيانا نكون أسوء ممن أساء الينا لأن الشخص المسيء لديه أحزانه و بيئته و طريقة تربيته ولكن نحن كيف تربينا و كيف نشأنا و هل من حقنا أن نكون مثله؟
و هناك نقطة أخرى يجب أن ندقق هل هذا الشخص أعظم أم الله أحيانا نشرك بالله بسبب تعظيمنا لمن حولنا، هل هذا الشخص مالك كل شيء؟ حتى بعد حدوث الغدر و المشاكل أترك كل شيء و أحزن و أتغير أم ان الله الواحد الأحد الذي يرى سعينا و نياتنا و يعرف ما يحول بين المرء وقلبه ؟!
من يجازي؟
هل المسيء بنا أم أرحم الراحمين؟ الذي لا يضيع عنده مثقال ذرة من خردل كما يقول لقمان لابنه:
((يَٰبُنَىَّ إِنَّهَآ إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍۢ مِّنْ خَرْدَلٍۢ فَتَكُن فِى صَخْرَةٍ أَوْ فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ أَوْ فِى ٱلْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا ٱللَّهُ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ)). اذن لا يمكننا أن نحزن ان عملنا لله سبحانه وتعالى و كانت نيتنا لله فهو يسمع و يرى و لا تضيع عنده الودائع ولا يمكننا أن نتراجع عن أعمال الخير لأن أحدهم أثبت انه غير لائق بالاحسان ولكن نضع وصية الامام الصادق بين أعيننا حيث قال لابن جُندب:
يَا ابْنَ جُنْدَبٍ، الْمَاشِي فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَالسَّاعِي بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَقَاضِي حَاجَتِهِ كَالْمُتَشَحِّطِ بِدَمِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَوْمَ بَدْرٍ وَأُحُدٍ، وَمَا عَذَّبَ اللَّهُ أُمَّةً إِلَّا عِنْدَ اسْتِهَانَتِهِمْ بِحُقُوقِ فُقَرَاءِ إِخْوَانِهِمْ.
كثيرا ما نهتم بالأدعية و قراءة الصلوات المستحبة و الأمور الأخرى التي نرجو أن تقربنا الى الله ولكن نغفل عن قضاء حاجة المؤمنين لما فيه من حسنات و فضائل، الامام يشير الى قضية مهمة جدا و هي الاحساس بمشاعر الآخرين أحيانا لا يمكننا أن نقدم الكثير ولكن (الماشي) من ينوي و يتحرك كي يساعد اخيه المؤمن من الممكن أن ينجح في تلبية الحاجة ومن الممكن لا ولكن هذه الخطوات محسوبة و كأنه يسعى بين الصفا والمروة.
ومن يقضي حاجة اخيه المؤمن سينال درجة المتشحط بدمه في سبيل الله يوم بدر و أحد، نحتاج الى كتب كي نكتب عن أجر الشهيد و ما يناله من بركات و فضائل و كيف يكون حال هذا الشهيد و هو يستشهد في بدر وأحد يعني يكون بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله و يحصل على ثواب نصرة النبي صلى الله عليه وآله !
ومن الكلمات الأخيرة ندرك بأن أحد الأسباب للمصائب المنتشرة في المجتمع عدم مساعدة الناس لبعضهم البعض و عدم الاحساس بما يجري عليهم و استهانتهم بحقوق الفقراء
هناك أحاديث كثيرة وردت في فضل قضاء حاجة المؤمنين حيث تحثنا على نشر الأجواء الرحيمة في المجتمع ولكن هناك أمر ما يجب أن لا نغفل عنه بأن الاعتدال مطلوب في كل مكان كما قال ربنا في محكم كتابه الكريم:
(وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا )
الحياة أقصر من أن نعيش في السلبية و نضيق على أنفسنا
والآخرة أجمل من أن نغفل عن العمل لأجلها و من يعمل بنية صالحة لأجل قضاء حاجة الآخرين سيرى الجنة في الدنيا قبل الآخرة عاجلا أم آجلا.
اضافةتعليق
التعليقات