إن حظوة اللغة العربية تكمنُ في سِعة التعبير وحُرية الوصف الذي تفتقرُ إليه اللُغات الأخرى، فبينما يُمكن التعبير عن معنىً واحد بعشرات الجمل في اللغة العربية، لا يحتمل هذا المعنى سوى صورةٌ واحدة في لغاتٍ أخرى.
إن اللغة العربية هي أطول اللغات عمرا وأثراها لفظا وأقدرها على النمو اللفظي والدلالي لما تتحلى به من مزايا فريدة فإن بوسعها أن تُعبّر عن المفاهيم العلمية والعملية المتجددة وتواكب التطور المتدفق باستمرار. حافظت اللغة العربية على وجودها وسادت أقطاراً شاسعة في الشرق والغرب، وهكذا أصبحت اللغة العربية لغة عالمية بعد انتشار الإسلام في الآفاق، وبسبب نزول آخر معجزة في الأرض وهي القرآن الكريم الّذي أُنزِل على رسول الله ﷺ .
حرص الأدباء والشعراء على مر العصور على التنافس في ابراز مِلكات اللغة عندهم بأكثر الطرق ذكاءً وعبقريةً، كانت الجهود مستمرة في محاولةٍ لترسيخ أسماؤهم في التاريخ، فها هو أبو الطيب المتنبي أحد كبار شعراء العربية الذي قيل فيه ما لم يُقال بغيره، ظلّ شِعره محور تفسير وشرح على مدى قرون، لما ينطوي عليه من ابتكارات وغوامض تنكشف تباعاً حسب بحوث الدارسين له والكاشفين لأغوار عوالمه الشعرية. له بيتُ شعرٍ يُضرب مثلاً في نبوغه يقول فيه:
أَلَمٌ أَلَمَّ أَلَمْ أُلِمَّ بِدَائِهِ
إِنْ آنَ آنٌ آنَ آنُ أَوَانِهِ
ويُفسّر كالآتي:
ألم : من الـتألم للمرض .
ألمً : أي أحاط بي
ألم : الهمزة للاستفهام ولم نافية
ألمً : أي أحيط به
إن : شرطية
أنً :من الأنين
آن : مريض
آن : بمعنى حان
ولقد فاقت آيات القرآن الكريم كل فنون اللغة من الشعر والنثر بلاغةً، فهو أقدم الكتب العربية، ويعد الأسمى قيمةً لغويًّا، لما يشتملُ عليه من البلاغة والبيان والفصاحة. وللقرآن الكريم تأثير وفضلٌ كبير في توحيد وتطوير اللغة العربية وآدابها وعلومها الصرفية والنحوية، ووضع حجر الأساس لقواعد اللغة العربية، إذ يُعد المرجع الأضخم والأساس لكل مساهمات نوابغ اللغة العربية وعلى رأسهم أبو الأسود الدؤلي والخليل بن أحمد الفراهيدي وتلميذه سيبويه وغيرهم.
وقد بين القرآن الكريم ما أصاب العرب عند سماعهم آياته لأول مرة لشدة ما فيها من الإعجاز ما لا يقدر أن يأتي به بشر رغم ما كان عليه العرب في ذلك الزمن من النبوغ في اللغة. فبعضهم وصف النبي الأكرم ﷺ بأنه شاعر فأنزل الله تعالى في سورة يس: (ومَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآَنٌ مُبِين .)
وبعضهم قال أن النبي محمد ﷺ قد نقل هذا الكلام ممن سبقوه. يقول الله تعالى في سورة الفرقان: (وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلا .)
بينما اتهم بعضهم النبي محمد ﷺ بأنه ساحر يقول الله تعالى في سورة يونس: ( أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ .)
فلنا الفخر إننا الناطقين بلغةِ الضاد، اللغة التي لا تنافسها لغة في الجمال والأصالة وتستحق منا اهتماماً بها والحرص على ديمومتها كي تبقى زاهرةً لا يندثر منها شيء.
اضافةتعليق
التعليقات