في صباح اليوم سافرت لمدينة في غير بلدي الذي أسكن فيه، وحينما خرجت من دياري متوجها نحو المطار للسفر الى تلك المدينة، ركبت السيارة مع أحد اصدقائي، وصلنا إلى المطار، جلست في قاعة الانتظار منتظرا صوت التنبيه لبداية الرحلة، وبعد مدة نادى الصوت كي نتوجّه نحو الطائرة، جلست في المكان المخصص لي، وبعد حين جاءت فتاة وجلست بجانبي، فكان مظهرها جميلا ومساحيق التجميل تزين وجهها، كانت تريد الحديث معي، لكن أنا لا أريد التحدث معها، تجاهلت سؤالها، لكنها لم تصمت وألحّت بكلامها معي فقلت لها: هل أنتِ مسلمة؟.
فقالت: نعم.
اندهشت كثيرا لما قالته، فقلت في نفسي مسلمة وبهذا اللباس والمنظر، ما هذا؟.
رجعت وسألتها هل تعرفين فريضة الصلاة؟. قالت: لا.
قلت لها: أتعرفين اصول الدين والشريعة؟.
قالت: لا ما هي الصلاة وما الاحكام؟. فرجعت وسألتها: إذن كيف أنت مسلمة؟.
فقالت: أنا مسلمة بالاسم. فسألتها: وما هو أسمك؟. أجابت: فاطمة.
فأصابني حزن عميق، وقد أحسست بأن قلبي يتفطر ألما كتشقق الارض التي لم يصلها الماء منذ زمن، اصفرَّ وجهي واذا بدموعي تحرق وجنتي، ألم ذلك الباب والضلع المكسور، آه سيدتي كيف يذكرون اسمك ولم يتألموا، فلعن الله تلك الأيدي التي مدت عليكِ، وبعدها صبَّرتُ نفسي وقلت لها: أتعرفين فاطمة الزهراء؟. أجابت: ومن هي فاطمة؟.. يا له من شيء عجيب.
فأجبتها وتكاد دموعي تتناثر فوق وجنتي كشلال ماء ينهمر من الأعلى، فقلت لها: قال الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) عنها (فاطمة بضعة مني وهي قلبي وروحي التي بين جنبي فمن أذاها فقد أذاني ومن اذاني فقد أذى الله).
أخذتني الحسرات، فقلت لها: لقد آذوك يا زهراء فـ آه عليك.
يدعون أنهم يعرفون الدين وهم لم يعرفوا شيئا قط.
بعد ذلك هبطت بنا الطائرة في ذلك البلد، ونزلت وانا متوجع جدا، أفكاري تضيع مني فأصطادها بخيالي، لأنني أحسست بأن قلبي وعقلي أخذا يسرحان في الفرق بين تلك المرأة وسيدة نساء العالمين وبهجة المؤمنين.
وصلت ودخلت الى شقتي فرأيت أمامي قلما وورقة وقد كنت محملا بالافكار والخيال، فخطوت نحوهما وأمسكت بالقلم، لكنني لا اعرف ما حدث لي كلما اردت أكتب حرفا من حروف سيدتي ومولاتي فاطمة (ع) كانت الدموع توقفني، لحظات وارتجفت يداي، لا استطيع الكتابة لكني أصررت على ان أكتب شيئا لأبين للعالم عن المرأة العظيمة، تتوالى الأيام وتتقادم الليالي، وفاطمة الزهراء هي القمر الذي يشع ولا يبلى بهاؤه، إنها كلمة طيبة ترددها شفاه المؤمنين، ومنهاج يقتدي به الصالحون، إنها دخلت التاريخ من أوسع أبوابه فسجل أسمها على جبين الدهر وحفظ حبها في قلوب المؤمنين ووقف الزمان لها إجلالا بكل لحظاته.
بعد ذلك تذكرت تلك الفتاة، فحزنت لما رأيته منها، فقلت في نفسي، فتيات هذا العصر يقلن نقتدي بالزهراء ونحن الستر والحجاب، لكن هنّ ليس كذلك، هناك أسف لما يفعلنه عند خروجهن من منازلهن وذهابهن الى أماكن عملهن باللباس الضيق ومساحيق التجميل وتزين الوجوه.
اذن كيف نكون مثلها ونقتدي بها، ما نراه حاليا أمر مؤلم فيا له من أسف، يضيعن أنفسهن بحلاوة الدنيا واحسرتاه.
الزهراء (عليها السلام) كانت شديدة الستر والحجاب، وفي أواخر حياتها الشريفة (ع) قالت لأسماء بنت عميس: أنها ترغب أن لا يُرى لها شكل ولا يصفها أحد وان كانت ميتة، فأشارت عليها أسماء بنت عميس بصناعة نعش أو تابوت رأته في الحبشة وبالفعل صنعته لها وصفته أن يؤتى بالسرير ثم بجرائد تشد على قوائمه ثم يغطى الثوب، وهذه من كرامات الزهراء (ع) وتعليم الناس الستر، وقد ارتاحت الزهراء كثيراً لهذا الستر، ولأجل ان نحصل شيء من نور فاطمة يستضيء بها كل من يرفض الظلام، ويستهدي بها كل من يرفض الضلال، لانها نموذج الحق وقمة الايمان ورمز مواجهة الظلم والطغيان، فهي عنوان المرأة المتكاملة.
اضافةتعليق
التعليقات