إن مما يميز الإنسان أنه كائن عاقل مفكر ينمي فكره ومعارفه عن طريق التفكير والتجارب والتعلم من الآخرين، وإن من الغرائز الأساسية التي يشترك فيها الانسان والحيوان هي غريزة التجمع، أو ما يسميها علماء النفس غريزة القطيع، فالحيوانات والطيور والأسماك تتجمع في شكل جماعات ومجموعات في المراعي وأثناء السير والاستراحة والهجرة والبحث عن الطعام والشراب.
وقد عبر المثل العربي عن ذلك بقوله "إن الطيور على أشكالها تقع" فتتجمع هذه الحيوانات المتماثلة مع بعضها البعض كما يتجمع الناس في المجالس والنوادي ومواقع الاجتماعات المتعددة.
ومن الواضح أن الطفل ينشأ في بيئة محددة الثقافة والحضارة والانتماء الفكري والثقافي فتساهم تلك البيئة في تكوين شخصيته وتحدد نمط حياته فمنها يكتسب وبها يتأثر.
ولكن القرآن الكريم يرفض طريقة التبعية ويهاجمها بشدة ويطالب بالوعي والتأمل وتوظيف العقل في إختيار الطريق الأسلم وتحديد الإنتماء الفكري ووعي وبصيرة ولقد إستنكر القرآن الكريم طريقة الانتماء غير الواعي أو تقليد الآباء والأجداد من غير فهم ولا تمحيص ولا تمييز بين الخطأ والصواب.
وينقل لنا القرآن معاناة الأنبياء والرسل من التحجر الفكري لدى أممهم والوقوف على الموروث الثقافي والمتردي لدى شعوبهم، وحذر الرسول من تبعية الامعة الذي لا يحدد موقفه وانتمائه عن وعي وقناعة علمية ويعيش مقلداً تابعاً للآخرين.
إن من القضايا المتأصلة في أعماق الانسان هي طبيعته البشرية وانتماؤه الشعوري واللاشعوري إلى الجماعة كالانتماء إلى الأسرة والعشيرة وإلى المدينة والإقليم والنادي والفريق الرياضي وغيرها من أطر الإنتماء أو التجمع.
ومن الطبيعي إن الجيل الجديد يشهد تحولات إجتماعية وطروحات فكرية وسياسية جديدة فالحياة حركة وتحول وتواصل، ويختلف حجم تلك التحولات حسب ظروف المجتمع وأوضاعه فجيل الشباب الذي عاصر بداية الدعوة ومرحلة النبوة مثلاً كان قد واجه تحولاً فكرياً وحضارياً عظيماً في السعة والعمق والشمول، فكان هو جيل الرسالة، وكان أنصار الاسلام هم من جيل الشباب والناشئين في الأعم الأغلب.
وهكذا تشهد الاحصائيات أن جيل الشباب في عصرنا الحاضر هم حملة الاسلام لاسيما في الجامعات والمعاهد والمدارس ذكوراً واناثاً.
وجيل الشباب المسلم كما هو مهيئاً لتقبل الفكر الاسلامي والانتماء إليه بقوة وحيوية وإخلاص فإنه عرضه إلى التيارات الفكرية والسياسية المنحرفة، إذ كانت ولازالت بعض الأجهزة الاعلامية والكتب الهدامة وقصص الأفلام والمسرحيات والشعر وغيره من وسائل النشر هي الوسائل والأدوات لاحتواء جيل الشباب، في حين لم يعرف بعض الشباب ما انطوى عليه الموقف من خطط سرية وأهداف عدوانية للقضاء على الدين في نفوس المسلمين والابقاء على تخلفهم وغزوهم فكرياً وحضارياً، وربما حرك أعداء الاسلام بعض الحركات والتيارات الهدامة والجماعات التكفيرية لضرب كل بادرة خير في مهدها، وقبل أن يقوى عودها ويستفحل أمرها ليتسنى لأعداء الدين الوصول إلى غاياتهم وأهدافهم المريضة الشريرة.
وهنا لابد أن يكون الشباب ذكوراً وإناثاً على وعي تام مما يجري خلف الستار وما يحاك للأمة من مؤامرات خبيثة، وأن يصححوا مفهموم الانتماء إلى الدين وأن يثقفوا أنفسهم من مصادر الثقافة الأصيلة الحقة.
ولابد للشباب أن تكون لديهم شخصية ثقافية وهوية حضارية واضحة المعالم وهوية الشاب المسلم الثقافية هي الهوية الاسلامية، ولا يعني ذلك أن كل حصليته الثقافية هي مجموعة من المعلومات الدينية، وإن كان الاهتمام بها مطلوباً إنما نعني بالثقافة الاسلامية وعي الحياة والمعرفة والسلوك والطبيعة من خلال المنهج الاسلامي.
فالمثقف المسلم يتعامل مع مفهوم الحرية ومع السياسة والدول والجنس والعلاقة مع الله والثروة والذات والفكر من خلال الفهم والمنهج الاسلامي.
فملخص الوضع هو أن الشاب المسلم بحاجة إلى فهم العقيدة الاسلامية والأحكام الشرعية والسيرة النبوية الصحيحة والإلمام بالسنة المطهرة ومفاهيم القرآن وأن يبدأ بتكوين ثقافته من خلال الكتب وقراءة الكتب للمفكرين المؤمنين ليكون قادراً على التمييز بين الصح والخطأ.
وحتى لا يكون الشاب ضحية الأزمات والصراعات الفكرية التي يعج بها مجتمعنا اليوم وهو يعيش ثورة الانترنت والقنوات الفضائية والصحافة الصفراء وغير ذلك.
وتتحمل المؤسسات الاسلامية مسؤولية توزيع المطبوعات النافعة وإصدار النشرات والدوريات، وبث الوعي الديني في حملة الكلمة الطيبة وهم المبلغون والخطباء والاعلاميين لتصل إلى عقل الشاب وأن نشد على ادارة المواقع الالكترونية في عرض ما يهم الجانب الديني والثقافي، واعادة بناء العقيدة الصحيحة من سيرة المعصومين عليهم السلام ليكن في قصصهم عبرة لكل زمان ومكان.
اضافةتعليق
التعليقات