ثلاثة بوابات مشرعة، يلج فيها عدونا الأزلي إبليس، يقتحم علينا بكل سلاحه وجنده ونحن في غفلة وغيبوبة، دون أن نعلم أننا قد وقعنا في مصيدته اللعينة.. فما هي تلك البوابات ياترى؟
الباب الأول: استكثار العمل
هي إحدى بوابات ابليس المفضّلة للولوج إلى ابن آدم.. فلو أن ابن آدم عمل عملا ولو كان عملا ضئيلا وصغيرا ولم يصرف عليه جهدا يُذكر، لكنه في قرارة نفسه يراه كثيرا، كأن يقول: ما فعلته اليوم قد فاق توقعي وإنه لكثير، بل لعل ما فعلته من عمل الخير سيدخلني إلى الجنة، وسأنال رضا الله سبحانه وتعالى، ويبدأ هذا الاقرار الضمني يزداد حجما يوما بعد يوم حتى يستفحل وينتفخ، سيؤدي بالانسان في نهاية المطاف إلى الاتكال على عمله لا على رحمة ربه..
وهنا تقع الطامة الكبرى ويقع الانسان معها في مطب ابليس اللعين.. إذ تتلاشى لديه الرغبة في الاستزادة من عمل الخيرات، متهاونا في طرق أبواب الخير عامة، يظن أنه أحرز سبقا في الصالحات وهو يحسب أنه من الذين أحسنوا عملا، ومن حيث لا يدري قد مكّن عدوه من نفسه، فأصبح منقادا إليه يجرّه إلى حيث يشاء.
الباب الثاني: نسيان الذنوب
كل إنسان لا يخلو عن معصية بجوارحه، فإن خلا عن معصية الجوارح فلا يخلو عن الهم بالذنوب، فإن خلا عن الهم فلا يخلو عن وسواس الشيطان المنبعث مع الخواطر المتفرقة المُنسية لذكر الله، فإن خلا عنه فلا يخلو عن الغفلة والقصور..
الصفة المشتركة بين بني البشر أنهم خطّائون.. وهذا حال البشر عموما.. كلهم عرضة للخطأ والذنوب، إلا أنّ أفضلهم على الاطلاق هم التوابون حقا وصدقا.
قيل في التوبة أنها أبلغ وجوه الاعتذار.. فهي التي تغسل الذنوب وتُمحي الخطايا وتعود بالانسان إلى ساحة الطهر والنقاء وصفاء السريرة .. وهي بالتالي تحدث نقلة نوعية في مسيرة العبد تجاه ربه فيصبح حبيبا مقربا إليه.. فالتائب من الذنب كمن لا ذنب له، إلا أنّ المؤمن يترتب عليه عدم نسيان ذنوبه حتى بعد توبته.. لأن نسيان الذنب هي البوابة الثانية لولوج ابليس ومحاولته الشيطانية لصرف ابن آدم عن طرق باب التوبة مجددا.
عن الامام الصادق عليه السلام في قوله تعالى: ((تُوبُوا إِلَى اللّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً))(١) قال: هو الذنب الذي لا يعود فيه أبداً. قيل: وأيّنا لم يعد؟ قال: يا فلان إن الله يحب من عباده المُفتَن التوّاب.. يعني كثير الذنب كثير التوبة.
الباب الثالث: دخول العجب
قد يعجب الانسان بعمله أو برأيه أو بشيء يخصه قد تكون موهبة أو أي شيء آخر، وقد يأخذه العُجب إلى مديات أوسع وأكبر.. وربما يعجب بعمله إذا أثنى الناس عليه بالخصوص.. إلا أن الغريب حقا أن يعجب بالعمل وهو مخطىء فيه.. هل يحدث هذا حقا؟
الجواب: نعم بالتأكيد.. قد يعجب الانسان بعمله وهو مُصيب، وقد يعجب بعمله وهو مخطىء فيه.
لكن العُجب في الحالتين أمر مذموم ومُستهجن شرعا وعقلا.
والمؤمنون لا ينبغي لهم العُجب بأعمالهم فمهما جاؤوا بأعمال صالحات فهي قليلة في جنب حق الله عليهم.. من هنا جاءت مذمومية العُجب بالعمل الصالح.
وليكونوا على حذر من دخول هذه البوابة المؤدية إلى اتلاف العمل وبطلانه، أما لماذا يؤدي العُجب إلى بطلان العمل؟
الجواب: لأنّ الانسان لا يدري بم يُختم له في آخر عمره.. وكيف تكون عاقبته، فلو أنّ أي عمل قابله بالعُجب، فما الذي سيتبقى له من رصيد في خانة حسناته ياترى؟!
من هنا لابد أن نضع نصب أعيننا هذه البوابات الثلاث، والتي يمدّ ابليس إليها عنقه ويثبت فيها قدمه ويبث جنده ويستجلب حزبه، لكي يستمكن من المؤمنين ويسلبهم صالح أعمالهم؛ فتُذرى كرماد اشتدت في يوم عاصف.
عن صفوان بن يحيى، عن عبد الرحمن بن الحجاج، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال إبليس - لعنة الله عليه - لجنوده: إذا استمكنتُ من ابن آدم في ثلاث لم أبال ما عمل فإنه غير مقبول منه: إذا استكثر عمله، ونسي ذنبه، ودخله العُجب (٢).
اضافةتعليق
التعليقات