النظافة من الایمان، حث عليها الإسلام، والجهات الصحیة تجمع على الاهتمام بالنظافة الشخصیة ولكن عندما تصبح النظافة مبالغا فيها من قبل الشخص وتلاحظ ببساطة وتلفت الانتباه بأن هناك شیئا غیر طبیعي في سلوكه، یكون هناك خلل في سلوك هذا الشخص، ویعتبر بأنه نوع من أنواع الوسواس، حیث إن وسواس النظافة یعتبر من أشهر اضطرابات الوساوس، وهو مرض یعاني منه عدد كبیر من الناس، ولأن الآثار الجانبیة للمرض لا تقتصر على الشخص صاحب المرض سواء أكان رجلا أو امرأة شابا أو فتاة، كبیرا في العمر أو صغیرا فهي تؤثر في المحیطین به.
النظافة المفرطة، أو وسواس النظافة، كما یطلق عليها العلماء المختصون، مرض نفسي یستوجب العلاج، لهذا فهو عبء ومعاناة ثقیلة على صاحبه رجلاً كان أو امرأة وشكوى مریرة تتداول على ألسنة بعض الأزواج ممن تتصف زوجاتهم بهذا المرض، والآباء عندما یلاحظونها في سلوك أبنائهم.
ولطالما عانت نادية (اسم مستعار) من وسواس النظافة، إلا أنها بقيت تعتبر أن اهتمامها بالنظافة هو أمر طبيعي، حتى بدأ يؤثر بشكل سلبي على حياتها اليومية وعلى علاقاتها مع الآخرين، فقصدت معالجة نفسية أخبرتها أنها مصابة بـMysophopia أي الخوف الشديد من القذارة والجراثيم.
ومع انتشار فيروس كورونا الذي يحصد يومياً مئات الأرواح في العالم أجمع، لاحظت هذه الشابة أن اضطرابها النفسي يزداد سوءاً: "بعدما وصل فيروس كورونا إلى العراق، غرقت في نوبات الهلع والذعر وبدأت الشكوك تحاصرني: هل أغسل يدي بما فيه الكفاية؟ هل صافحت يد شخص مصاب ووضعت يدي على وجهي عن طريق الخطأ؟ ماذا يحدث لو أُصبت بالعدوى، لا سمح الله، ومررت الفيروس دون علم إلى أهلي أو إلى شقيقي الذي يعاني من نقص المناعة؟ لا أستطيع العيش مع (عقدة ذنب) طوال حياتي... الوضع خطير... لن أغادر المنزل بعد اليوم".
واللافت أن قرار الحجر الذاتي اتخذته ناديا، البالغة من العمر 33 عاماً، جاء قبل إعلان حملة "خليك بالبيت" وغيرها من حملات التوعية التي حثت المواطنين على البقاء في منازلهم، بهدف الحدّ من انتشار فيروس كورونا، إلا أن المكوث في المنزل ومتابعة أخبار كورونا على مدار الساعة زاد من وسواسها القهري: "صرت اغسل يدي كل دقيقة حتى لو ما لمست شي، واستحم 3 مرات بالنهار، عقمت كل أغراض البيت، وطهرت مسكات الأبواب والدوش والمفاتيح، وحتى الأموال نظفتهن.... كورونا أرجعني لنقطة الصفر والوسواس".
تحفيز السلوك القهري
يعتبر غسل اليدين من أفضل الطرق وأكثرها فاعلية لمحاولة الحفاظ على صحتكم خلال تفشي فيروس كورونا، إذ يجب غسل اليدين لمدة 20 ثانية على الأقل، وبطريقة دقيقة من خلال تنظيف المسافات كافة بين أصابعكم وتحت أظافركم، ويجب أن يتم غسل اليدين بعد لمس أي شيء وقبل تناول الطعام وقبل لمس الوجه، ويُنصح بحمل معقم يدين يحتوي على الكحول.
بالنسبة للعديد من المصابين بالقلق والوسواس القهري، فإن عناوين الأخبار والتوجيهات الدقيقة من منظمة الصحة العالمية، قد تؤدي إلى حدوث نوبات من القلق الشديد وتعزيز السلوك القهري.
وينصح الخبراء أيضاً بعدم الاقتراب من الأشخاص الذين يُشتبه بإصابتهم بالكورونا، وكذلك يحذرون من لمس الأسطح في الأماكن العامة وضرورة تطهيرها جيداً لعدم انتقال الفيروس.
والحقيقة أن هذه التوصيات المبنية على الأدلة، قد تمضي بالمصابين باضطراب الوسواس القهري والقلق، إلى منطقة مألوفة بدرجة غير مريحة، إذ إن هذه التحذيرات تتلاقى مع الأفكار القلقة التي تراودهم باستمرار، حتى من دون وجود فيروس جديد ينتشر في جميع أنحاء العالم.
وبالنسبة للعديد من المصابين بالقلق والوسواس القهري، فإن عناوين الأخبار والتوجيهات الدقيقة من منظمة الصحة العالمية، قد تؤدي إلى حدوث نوبات من القلق الشديد والسلوك القهري، إذ يمكن أن يُثير ذلك المخاوف الشديدة بشأن الإصابة بفيروس كورونا، ويشعر هؤلاء بالإرهاق، الخوف، الحزن، الغضب والعجز، وقد يجد البعض صعوبة في النوم والتركيز، وقد يعاني بعض الأشخاص من أعراض جسدية، مثل زيادة معدل ضربات القلب أو آلام في المعدة، بالإضافة إلى الدوار، ضيق التنفس، الوخز، آلام الصدر وغيرها.
هل كل مهتم بالنظافة يعاني من الوسواس؟
من المهم معرفة الفرق أيضا بين الشخص المرتب الذي يهتم بنظافته وبين من يعاني من رهاب القذارة، فالشخص الذي يهتم بنظافته لن ينظف سوى الأسطح لضمان عدم وجود الغبار مثلا، أما الشخص الذي يعاني من فوبيا النظافة ستجده يقوم بالتعقيم بسبب الخوف من أن يصيبه التلوث، ويكرر الأمر أكثر من مرة، ليتأكد أنه أصبح نظيفاً.
أيضا تجد الأشخاص المصابين برهاب القذارة يخشون أن يصيبهم التلوث من الأوساخ والغبار حتى بسبب عطس أو سعال البعض، لذلك قد تجده عند إصابته بالمرض يعتقد أنه يحتاج لمزيد من النظافة، مما في النهاية يؤثر على العمل والنشاط اليومي.
دليل تعامل المصاب بالوسواس مع فيروس كورونا
لقد أغرق فيروس كورونا العالم في حالة من الشك وعدم اليقين، كما أن نشرات الأخبار والمنصات الإلكترونية تركز يومياً على خطورة هذا الوباء الذي ينتشر بسرعة فائقة، كل هذا يؤثر سلباً على الصحة العقلية للأشخاص، لا سيما أولئك الذين يعيشون بالفعل مع حالات نفسية معيّنة، مثل القلق والوسواس القهري.
لقد بث فيروس كورونا الذعر في نفوس الجميع، فحتى الأشخاص الذين لا يعانون من الوسواس القهري أو القلق بدأوا بإظهار سلوكيات شبه قهرية، مثل شراء كميات كبيرة من معقم اليدين والمنتجات المعلّبة، والإفراط في شراء الأقنعة التي تبيّن أنه ليست لديها فائدة كبيرة إلّا في حال كان الشخص مصاباً بالمرض.
وقد حذرت منظمة الصحة العالمية من تدهور الصحة النفسية على مستوى العالم، جراء ما أثاره فيروس كورونا من خوف، ودعت المنظمة لضرورة تجنب تحوّل القلق بشأن كورونا إلى حالة هلع، وذلك عبر تجنب مشاهدة أو قراءة أو الاستماع إلى الأخبار التي تسبب مشاعر القلق أو الضيق.
ولكن كيف يمكن لشخص مصاب باضطراب الوسواس القهري أن يتعامل مع فيروس كورونا المستجدّ، وأن يواجه فجأة رسائل تأتي من جميع الاتجاهات، وتبدو تقريباً مثل أفكار الوسواس القهري المتطفّلة التي تلاحقه طوال الوقت؟
لذا فقد فرض علينا فيروس كورونا الاهتمام بمفاهيم النظافة والمرض والنصائح بغسل اليدين وتنظيف الأسطح باستمرار، ما يمنح الناس المزيد من الأسباب للتفكير في تلك السلوكيات"، بحسب ما قاله عالم النفس السريري في جامعة كارولينا الشمالية، جون أبراموفيتز، لموقع فايس.
وفي الغالب يحاول الأشخاص المصابون بالوسواس القهري فعل العكس: "يحاولون صرف انتباههم عن النظافة، ويتصرفون كما لو أن المخاوف التي تدور في رؤوسهم حول الجراثيم والتلوث لا علاقة لها بالواقع"، وتضيف: "لكن وسائل الإعلام والسلطات تخرج لتقول إنّ تلك المخاوف واقعية تماماً".
واللافت أن"مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها" تستخدم كلمات معيّنة مثل "كثيراً" أو "بشكل متكرر" لوصف كيفية غسل اليدين، وعليه حيث يمكن أن يسبب ذلك الكثير من الضيق للأشخاص الذين يعانون من الوسواس القهري، لأنهم سيصابون بالقلق حيال المعنى المحدد لتلك الكلمات: "كيف أعرف أنني أغسل يدي (بشكل متكرر) بدلاً من غسلها كل ساعة أو بعد لمس أيّ سطح عام؟".
ويمكن أن يعزز كل هذا الاهتمام بالجراثيم أو غسل اليدين أو الأمراض الأفكار القلقة بشأن هذه المواضيع، لذا فمن الطبيعي تماماً أن يعاني المصاب بالوسواس القهري زيادة في هذه الأفكار، والحيلة هنا هي عدم السماح لتلك الأفكار بالتأثير على السلوك لدرجة تثبت صحة تلك الأفكار.
التزموا بالتوجيهات الرسمية ولكن دون إفراط
بالطبع من الضروري غسل اليدين أثناء انتشار الفيروس، إنما كيف نفعل ذلك دون إفراط؟
وذلك من خلال الاستعانة بتقنية تستخدم في علاج الوسواس القهري، وتسمى "التعرّض ومنع الاستجابة".
بحيث يتعرّض الشخص لشيء يشعر بالقلق حياله، ثم يحاول عدم الاستجابة بالطريقة التي تجعل ذلك القلق يزول، على سبيل المثال، لا تغسلوا يديكم بعد لمس الأرض وقبل أن تأكلوا شيئاً.
"من الضروري أن نفهم أن الوسواس القهري لا سلطة له هنا، إذ إنه لا يمتلك المعرفة الكافية ليُخبركم بكيفية غسل يديكم".
ولكن خلال فترة تفشي المرض، لا تنصح الناس بالتوقف عن غسل اليدين وتعقيم الأشياء بالكامل، ولكن توصيهم بأن ينظروا إلى التعرض بطريقة مختلفة: يكون "التعرض" من خلال اختيار مصدر واحد للوقاية واتباع تعليماته، وهذا كل شيء. لا تفعلوا أي شيء يتجاوز ما يُنصح به، ولا تستمعوا إلى التوجيهات والقواعد التي يصنعها الوسواس القهري داخل عقلكم.
ويعتقد الوسواس القهري أنه شخصية موثوقة في جميع الأمور المتعلقة بالسلامة، لذا يخبركم بما يجب عليكم فعله. لكنني أعتقد أنه من الضروري أن نفهم أن الوسواس القهري لا سلطة له هنا، إذ إنه لا يمتلك المعرفة الكافية ليُخبركم بكيفية غسل يديكم".
وللتأكد من بقائكم في نطاق السلوك التكيفي، مراقبة ما تفعلونه وما إذا كان يتغيّر مع مرور الوقت، شارحاً ذلك بالقول: "إذا كنت أغسل يدي يوم الإثنين لمدة 30 ثانية قبل الأكل، ثم بدأت في غسلها لمدة 60 ثانية في يوم الثلاثاء، فهذا أمر يدعو للقلق".
لا تتأثروا بالأخبار
تنتشر أخبار فيروس كورونا في كل مكان، ومن الضروري بالطبع أن يبقى المرء على اطلاع بكل جديد، إلا أنه يجب عدم جعل التغطية الإعلامية محور حياتكم.
وفي هذا الصدد، فإن المصابين بالوسواس القهري يميلون إلى أن يكونوا على اطّلاع أكثر من اللازم، إذ قالت: "نصبح خبراء في أي موضوع يريدنا الوسواس القهري البحث عنه على غوغل".
من هنا يجب التوصل إلى التحقق من الأخبار والحصول على المعلومات اللازمة دون أن نجعلها تصيبنا بالقلق الشديد.
وتعليقاً على هذه النقطة، "فإن التحقق من الأخبار بشكل مرضي والتفكير ملياً فيما سيحدث في المستقبل، أو المراجعة العقلية لما سمعناه عن الفيروس، كلها أمور تخلق فرصاً للقلق".
ويعتمد الوسواس القهري والقلق على فكرة عدم التساهل مع فكرة عدم اليقين، وفي نهاية المطاف، تركز كل العلاجات في حالات التعرض، على تعليم الشخص أن بإمكانه التعايش مع عدم معرفته بما سيحدث حين يفعل شيئاً يخيفه.
لهذا لا يمكنكم رؤية الفيروسات، لذا فمن المستحيل معرفة ما إذا كنتم آمنين بنسبة 100%"، وأضاف: "يميل المصابون باضطراب الوسواس القهري إلى افتراض وجود الخطر، ما لم يكن هناك ضمانة واضحة على السلامة. والاستماع إلى الحديث عن الفيروس في كل مرة يقومون فيها بتشغيل الأخبار يجعل الأمر يبدو كأن الإصابة به سهلة".
ولهذا السبب قد يميل المصاب بالوسواس القهري إلى غسل يديه مرة أخرى، أو قراءة مقالة أخرى عن الفيروس، لأنه يحاول أن يضمن عدم إصابته به أو نقل العدوى إلى شخص آخر.
وبالتالي إذا استطعتم تقبل حقيقة وجود كثير من الأشياء المجهولة، وحاولتم التعايش مع مشاعر عدم الارتياح، فسوف تقطعون شوطاً طويلاً في إدارة التوتر أثناء تفشّي الفيروس.
لا تقسوا على أنفسكم
لا شكّ أن هذه الفترة ستكون صعبة للغاية بالنسبة إلى العديد من الأشخاص الذين يعانون من القلق والوسواس القهري، لذا فمن المهم أن يكون المرء لطيفاً مع نفسه.
وتعليقاً على هذه النقطة، "قولوا لأنفسكم: سنبذل قصارى جهدنا ولكننا قد نخفق أحياناً، سنشعر بالقلق الشديد ولكن لا بأس في ذلك. والمشكلة الأخرى التي سنواجهها نحن المصابين بالوسواس القهري، هي أننا نرغب في فعل الأشياء بشكل مثالي، وربما نفكر في التالي: لم أتبع التوجيهات بحذافيرها، ويجب أن أعاقب نفسي. إنما بدلاً من ذلك، يجب أن تكونوا لطفاء مع أنفسكم وتقولوا: هذا موقف صعب حقاً على جميع الناس".
اضافةتعليق
التعليقات