فكرت كثيرا أن أحلق في سماء المدينة، كما تفعل أسراب الحمام، كعادتي أراقبها من أعلى التلة وأرسم حركتها بانتظام، أفتح ذراعي كما تفعل الحمامة وأطلق سراح جسدي في الهواء كما تفعل لكني أسقط مرة أخرى، من أثر السقوط أصبح جسدي يؤلمني كثيرا، حتى قررت أن أرسم جناحا يحمل جسدي، وبدأت في تحقيق حلم الطفولة.
الجميع كان يسخر مني وأنا أحاول الطيران فكلما سقطت كانت ضحكاتهم وكلماتهم تسقط معي، لكن مع كل هذه كانت أحلامي تدفعني نحو الأمام، وصنعت تلك الطائرة الشراعية في بريطانيا، والتي لم تجد أي أحد ليُسجلها، حتى تمكنت باستعمال جناحين، وكان ذلك بالقرب من قصر الرُصافة في مدينة بغداد.
سألوني يوما ما هذه الاسطوانة التي تكتب فيها؟
ـ هذه اسطوانة اخترعتها مرتبطة بحاوية صغيرة يخرج الحبر من خلالها، وفي نهاية الأسطوانة المُرتبطة بحافة مُسننة للكتابة.
ابتكرت قبة سماوية تحاكي ما يعرف حديثا بسينما "البلانتريوم" التي تسمح بمراقبة شديدة الشبه للسماء في شكلها الحقيقي ومعاينة الأجرام داخل صالة مغلقة في مشهد تخيلي، هذه النماذج التقريبية للسماء كنت أصنعها بنفسي في معمل خاص.
ابتكارات وإسهامات أخرى
ــ الساعة المائية التي أطلقت عليها اسم الميقاتة.
ــ اكتشف طريقة لصناعة الزجاج الشفاف من الحجارة.
ــ وصنعت أيضاً النظارات الطبية، وذات الحلق التي تتشكل من سلسلة من الحلقات التي تسير مع حركة الكواكب والنجوم.
وضعت اسمي في سجل العرب
ــ تم تكريمي حديثاً وذلك من خلال تسمية فوهة قمرية باسمي، وأُنشئ تمثال لي في مدينة بغداد كُتبت عليه عبارة: "أول طيار عربي ولد في الأندلس".
ــ كما أصدرت ليبيا طابعاً بريدياً باسمي، وسُمي فندق مطار طرابلس باسمي أيضا، كما افتتح جسر عباس بن فرناس في قرطبة وذلك في الرابع عشر من يناير عام 2011م، ويتوسط هذا الجسر تمثال ذي جناحين يمتدان حتى نهايتي الجسر، وصممه المهندس خوسيه لويس مانثاناريس خابون.
العلم في الصغر كالنقش على الحجر
جمعت العلوم والمعارف العامة ما بين الكيمياء والرياضيات والفلك والشعر والطب والصيدلة.
ودونت تلك العلوم والتجارب فأصبحت موسوعة من بين علماء عصري في الأندلس.
درست خصائص بعض الأمراض وتوصلت إلى علاجات عبر الأعشاب والنباتات وعملت طبيبا لدى قصور الأمراء في الأندلس، وكنت أشرف على طعامهم والوجبات الغذائية.
حكيم الأندلس
اسمي هو أبو القاسم عباس بن فرناس بن التاكرني، وتعود جذوري إلى الأمازيغ في بلاد المغرب العربي، ولدت في تاكرنا التي نسبت إليها والواقعة في منطقة رندة بالأندلس في عصر حكم الأمويين سنة (810 م) .
وقد قام الأمير عبد الرحمن بن الحكم باتخاذي في صفوف المفضلين لديه، ومن خاصته في العلم لاسيما في علم الفلك وبات يُطلق على اسمي "حكيم الأندلس" للشهرة التي كسبتها بين الناس.
مقلدو رحلتي مع الطيران
يشار إلى أن هناك من حاول تقليد ابن فرناس فيما بعد وهو أبو العباس الجوهري العالم اللغوي المعروف المتوفى سنة 393هـ حوالي سنة 1003م حيث قام بمحاولة للطيران في نيسابور بخراسان وسقط ميتًا من على سطح منزله، رغم أنه صنع جناحين من الخشب محاولًا الطيران لكن يبدو أنه أخفق في الحساب والناحية العلمية بخلاف ابن فرناس الذي كان أكثر دقة.
الانتقال الى الملكوت:
في رحلة الحياة هناك تذكرة لابد أن تقطعها يوما من الأيام، وهذه رحلتي قد انتهت وكتب في مذكرتي رحل عباس ابن فرناس في أواخر عهد الأمير محمد بن عبد الرحمن في مدينة قرطبة سنة 887 م عن عُمر بلغ سبعة وسبعين عاماً، حيث لا يزال جسراً مشهوراً إلى اليوم هناك يحمل اسمي تذكيراً للعالم بما قدمته من علوم واختراعات، ويُشار إلى أنني لم أمت نتيجة سقوطي أثناء محاولتي للطيران وإنّما عشت بعد ذلك اثني عشر عاماً، حتى قطعت تذكرتي وانتهت رحلتي.
اضافةتعليق
التعليقات