قبل أن نخوض في الصراع الأدبي بين الشرق والغرب علينا أولا أن نعرج على سمات الأدب،
فالأدب ليس مجرد كلام يكتبه الأدباء، هناك أبعاد ثلاثية تتجلى فيها النفس البشرية أحيانا،
وأخرى يصبح مركز إلهام وانقاذ تلك النفس من الظلمات إلى النور، ومن الجهل إلى المعرفة، ومن المحدود إلى اللامحدود، ويرفع الحجب القاسية من القلب ويدق جرس الحس المرهف في الروح، ونستطيع أن نختصر القول بأنه نقطة تحول للفرد.
شاءت سفن استطلاعنا أن ترسو في ذلك البحر العميق العتيق زفيره آهات العشق والجوع والحرمان وشهيقه السمو والعطاء والإنسانية، وتغوص في تلك الأعماق لتخرج من صدف الآراء والسبب الذي جعل الأدب الغربي أو العالمي مميز أكثر من الأدب العربي لدى معظم الشباب في هذا القرن! أين يجد الشباب ضالتهم في الأدب العربي أم الغربي العالمي؟ ملاحظات تم طرحها على مجموعة من الأكاديميين والأدباء والباحثين.
أصداف ثلاثية الإبعاد
قال المحامي والباحث والكاتب عباس العلي: أسباب تميز الأدب الغربي العالمي أكثر من الأدب العربي في أبعاد كثيرة منها:
البعد النفسي حين يكون القارئ الحقيقي رافضا للواقع فبالتأكيد هذا الرفض يشمل كل ما في الواقع من نتائج وسلوكيات وإنتاج بما فيه الأدب، لذا مثلا وبشكل محدد اليساريون المتمردون متعلقين بالأدب الروسي وكل ما يلحقه من أدب وفن وجودي تعبيرا عن رفض وتمرد على الواقع.
وأضاف: البعد الفني الذاتي في الأدب العربي الذي ما زال ذيليا يحاول تقمص الشخصية الغربية في الأدب في الفن في العلاقات الأجتماعية، لذا نجد مثلا المثقف القارئ الجاد يحاول أختصار الطريق بالذهاب للأبداع الأصلي وليس للتقليد وهذه سمة الشخصية المحافظة ذات التوجه البرجوازي أو الأكاديمي عموما.
واختتم قائلا: البعد الثالث هو غياب التقاليد الثقافية في الواقع العربي، فمثلا هناك تضخيم للبعض وتحجيم للبعض الآخر في ما يعرف بتسويق النتاج الأدبي والفني، والسبب يعود دوما لمصالح السلطة وأجهزتها المعنية وما لحق بها من مؤسسات، فكثير من الأدباء المبدعين يحاربوا ويغيبوا وتكتم أصواتهم لأنهم ضد السلطة فبالتالي لا يمكنهم الوصول للقارئ الباحث عن صوت يمثله ويتكلم عنه عن معاناته وإشكاليته الوجودية، فيذهب للأدب الغربي حيث يتم التعويض ولا يمكن مثلا للسلطة أن تقمع تلك الأصوات الأدبية إلا قليلا ولكنها تبقى مؤثرة دوما فينا، وهناك أسباب أخرى تمثل مرض السلطة وعجزها عن تفهم دور الأدب والفن كصانع للحياة، وغياب الدعم والتشجيع المؤسساتي لهما.
الأدب كالفلسفة يستوطن به التطور
وأشارت الأكاديمية والتربوية أمل عاشور: هناك أسباب عدة جعلت ميول الشباب إلى ذلك الأدب لعل من أبرزها: شعور الشباب بالغربة الفكرية والتوحد الفكري هذا من جهة، ومن جهة أخرى ميل الشباب إلى الأدب العالمي المترجم بسبب النصوص الأدبية العربية التي يتلقاها غالبا ما تكون مكررة ومملة، وأيضا للحكومة دور كبير واهمالها للأدب العربي واضح.
وبيّنت عاشور: أن الأدب في هيئته يشبه الفلسفة، وكلاهما يسيران ويستوطنان التطور، ولذلك نلاحظ أن راية الفلسفة كان يحملها العرب في العهد العباسي، والآن في إنكلترا وأمريكا.
من جانبه قال الحقوقي عاصم الكعبي:
لأن الأدب الغربي يمثل الحداثة والتطور لذا يعتبره البعض بوصلة الثقافة والتحرر ونجد الكثير من الشباب متأثرين بتقليد الغرب، وخصوصا في الأمور السلبية.
كما أن الادب الغربي في الوقت الحاضر أكثر تفاعلا مع القضايا العامة، ناهيك أن امكانيات
النشر والدعاية التي توفر له الصورة الايجابية التي تجذب الشباب (التائه) إليه.
وذهب بالقول الشاعر والاعلامي فراس الأسدي: الغالبية العظمى من الشباب تميل لذلك بسبب الانفتاح الذي حصل من تكنلوجيا ومواقع التواصل الاجتماعي، وميول الشباب وشغفهم للمطالعة على ثقافات الشعوب.
ومضت بالقول غادة المنجم/ مدرسة اللغة الانكليزية في اعدادية غزة للبنات:
الشاب العربي يعتمد بعضه على الترند العالمي وهذا أغلبه غربي! وبعضهم يعتبر الأدب الغربي فيه إنفتاح أكبر ومشبع بالثقافة ويرسم لهم صورا عن الشخصية المثقفة والمنفتحة.
الثقافة تكمن في حفظ أسماء عالمية!
وإلى ذلك قالت الكاتبة عبير منظور: إن الأسباب كثيرة منها أن الشباب لم يطلعوا أصلا على تراثنا الأدبي العريق، وأيضا من باب تقليد الصرعات الحديثة لأنهم يعتقدون أن الثقافة تكمن في حفظهم لبعض الأسماء أو المصطلحات أو الكتب الغربية، ولعل من أهم الأسباب هو تقصير وضعف اعلامنا العربي في ابراز ابداع أعلامنا العرب في الأدب وتسليط الضوء على الجماليات فيه خاصة ونحن نمتلك سحر لغة الضاد؛ لغة القرآن.
وبالاتجاه المقابل اعلام الغرب الذي دخل لبيوتنا ليمجد مبدعيهم سواء في مجال الأدب أو غيره. ربما يكمن السر وراء ذلك هو حب التعرف على ثقافة العرب من خلال مطالعة الروايات ودواوين الشعراء.
ووضح المتخصص بالأدب العربي محمد علي قائلا: ذلك الانجذاب القوي للأدب الغربي هو قربه من الواقع وتحدثه عن مأساة المجمتع والحديث عن مشاعرهم بدقة عالية خلاف الأدب العربي الذي امتلئ معظمه بمدح الملوك وتعظيمهم، والفخر بالنسب أحيانا والنفس أحيانا أخرى، وكل ذلك يعود لأسباب سياسية واجتماعية واقتصادية.
اضافةتعليق
التعليقات