عندما تصبح نظرتنا لذاتنا متشحة بظلال الذات سنقع في مطبّات كثيرة، وإنَّ فكرة اقتران الرضا عن النفس بالنجاح والثقة والقوة لهي من المفاهيم المغلوطة وقد آمن بها البعض كون العقل الجمعي يعتقد بها، لكن من الذي قال أنَّ الصواب سيكون في محلّه إن كان جزءاً من الاجماع؟.
قد يقول قائل، أنّ بعض الشخصيات الناجحة أقرّت بذلك، سنترك الاجابة على هذه النظرية الساذجة، للمفكر الفرنسي فولتير حيث قال: الحمقى لديهم عادة في الاعتقاد بأن كل شيء كتبه شخص مشهور بالضرورة هو مثير للاعجاب!.
حقاً فنحن قد نبحر أميالاً ولكن في اتجاه خاطئ!، ماعلينا من الحمقى وقدواتهم، ولنتبع نهج العقلاء وأمرائهم، ولنتعرف على الحقيقة التي تزاحم حولها المريدين، ولنبحث عن الجواب الشافي عن التساؤل: هل الرضا عن النفس محمود أم مذموم؟، وماهي نتيجة هذا الرضا؟
يجيبنا أمير البلاغة والحكمة، مولانا الامام علي ابن أبي طالب باب مدينة العلم في مقولة اختصرت الكثير من الجدال وفندت نظريات تدور حول الأنا وعلاقتها بالاخر عندما قال:
"من رضي عن نفسه كثر الساخط عليه".
قبل أن نعرض مجموعة من الدروس المستلهمة من هذه الحكمة، لنبين أولاً أنَّ هذه الفكرة لا تعارض فن التصالح مع الذات المتمخض عن الشعور العائم بالرضا والسكينة، بل إن الأخيرة تختلف عن ما سنناقشه، فالامام حدد نوع معين ودقيق من الرضا المذموم، وقد رافقه بكلمة "نفسه" فحديثنا عن الراضي عن نفسه وليس عن قدره وظروفه وأحواله التي لا يد له فيها.
وعودة إلى موعظة اليوم، لنستخرج بعضا من العبر التي تفيدنا في حياتنا بكل مجالاتها وتحديداً ضمن ثلاث دوائر:
1 _ في دائرة علاقة الانسان بربه، رضا العبد عن نفسه هلاك بكل ماتحويه الكلمة من معنى، فالانسان وإن أتعب جوارحه في سبيل وصال ربه فإنه يبقى مقصّراً أمام فضل الله وعظمته. وإنه سيقع في حفرة اسمها: العجب، والعجب آفة العبادة.
وبطبيعة الحال فإن الراضي عن نفسه لن يتصل بالله عن طريق الدعاء وهذا موجب لغضبه عليه لاستكباره عن سؤاله ووقوفه بين يديه، فهو مكتفي بنفسه، راضٍ عن مستواه الروحي، وسيكون بذلك فقيرا ماديا أو معنويا، فلا يلوم ربه بعدئذ عن كنوز كان باستطاعته الحصول عليها ولم يظفر بها، وينطق هنا البيت الشعري بصدق:
إذا لم يطلب الفقير من صاحب البيت شيئا.. فما هو ذنب صاحب البيت؟!
2_ أما بخصوص علاقته مع نفسه، فمن ناحية جمع الفضائل وتنمية شخصيته سيكون هناك خلل في هذه العملية، فطالب العلم مثلا _في كافة مجالاته_ يعوم في بحر عميق، وإن كان ماهراً في السباحة أو التجديف بقاربه، فإن العارف حقاً بعمق ومساحة هذا البحر سيدرك بلاشك خواء فكرة أن يرضى عن نفسه في هذا المجال، فالطريق أمامه طويل، فالأجدى أن يجد ويجتهد بدل أن يتملكه الرضا الزائف بما وصل أو حصل عليه من نزر قليل من علم ومعرفة. وعندما يؤمن بهذه الحقيقة فإنه سوف يطور من نفسه وإلا فسيسخط عليه الكثير من الناس لما يترتب ذلك من التكبر على الاخرين ممن دونه وبالنتيجة سيحتقرونه هم أيضاً.
3_ أما في علاقة الفرد بالآخرين فسيبقى وحيدا بلا أصدقاء وأحبة، لأنه انسان مغرور مترفع، يرى نفسه فوق الجميع وانه بلا عيوب وبالتالي لن يتقبل النصيحة ولا النقد فسيغضب الناس منه وتنفر من حوله.
في النهاية، كلنا في القاع وفي بداية الرحلة، فطوبى لمن وعى ذلك ونظر إلى السماء واستشعر صغره وتقصيره وقلة حيلته، ثم انطلق ليتغير ويتعلم ويساعد الناس لينال ويسعى لرضا الله عنه وليس رضاه عن نفسه.
اضافةتعليق
التعليقات