نظمت جمعية المودة والازدهار للتنمية النسوية ملتقاها الثقافي الالكتروني تحت عنوان (جودة النص الأدبي بين الجوهر والمظهر)، حيث استضاف فيه الكاتبة والمؤلفة تسنيم الحبيب من دولة الكويت الثلاثاء 25 رمضان 1441هـ الموافق 19\5\2020، الساعة العاشرة مساءً وبحضور ثلة من الكاتبات والناشطات.
أدارت الجلسة الكاتبة ضمياء العوادي حيث قدّمتْ قائلة: للقلمِ باع طويل في التأثير على المجتمع، ونقل الأحداث وتغييرها وصقلها، وما وصلنا منذ القدم وإلى الآن هو عن طريق هذه الأداة، فمن الضروري أن ينتبه حامله لما يكتبه لأنه محاسب أمام الله وأمام التاريخ الذي سيتناقل ما كتبه لذلك فهو مسؤولية كبيرة من المفترض أن نكون على وعي تام عند حمله.
ثم رحبتْ بها مُعرِّفة: تسنيم يحيى الحبيب ولدت في الكويت في 1983عُرِفتْ بكتابتها التي تغوص إلى أعماق الفكر ليبحث عن المعنى المكنون خلف جمال المفردات وجودة الصورة الفنية.
نشرت العديد من النصوص في جريدة الرأي الكويتية في صفحة (إشراق)، وكان لها زاوية أسبوعية، كما نشرت في عدة مجلات ومدونات إلكترونية أخرى. عضو في العديد من المواقع الأدبية مثل: شبكة أزاهير الأدبية، وملتقى الفينيق، ومجلة أقلام، وكتاب الإنترنت، وبوابة الحكايا، لها مجموعة من الروايات: “العودة" و“لحظات الغروب” سنة 1998و"سماء قريبة أعرفها” 2014 فضلا عن نتاجات أخرى “آخر الشطآن” (مجموعة قصصية)، “بوح الندى” (مجموعة قصصية)، “صداح زينب” (سرد)، “بلا جهات صوبك وحدك” (مجموعة شعرية)، “أقفاص” (مجموعة قصصية).
بعدها وضحت العوادي محوري النقاش: المحور الأول: هل تعتقد أن الاستغراق في استخدام الكلمات الادبية يؤدي إلى تحجيم المعنى؟ أما المحور الثاني: كيف يمكن بناء نص أدبي تتكامل فيه العبارة والمعنى على طريقة خير الكلام ماقل ودل؟
بدأت الحبيب كلامها: نحن نحتاج بالبداية تعريف المفردة الأدبية هل المقصود بها استخدام الكلمات المعجمية أو الكلمات المستغلقة التي لم تعد تتداول في الأدب المعاصر، يمكن تسميتها بالمهجورة، أعتقد أن النص الأدبي يتكون من عدة أنماط فعلى سبيل المثال إن اللغة العربية من ثرائها فيها كلمات تُعبر عن حالة معينة فكلمة الحبل تدل على هذا الحبل المعروف لكن إذا أردنا التعبير عن حبل السفينة فالأفضل استخدام كلمة (دُسُر) حتى يكون المعنى أبلغ وأدق، واعتمادا على مستوى التلقي أجد أن استخدام هذه الكلمات غير مجدي في النص القصصي والمسرحي والروائي، فهذه الكلمات لها موقعها في النص الأدبي الذي يقدم لغة فقط مثل النص المفتوح، والبوح الوجداني، والخاطرة، والومضة، فالقصة والرواية والنص السردي لا تكون الغاية منها ملاحقة اللغة كما في الفنون السابقة بل إننا هنا نلاحق الحدث واللغة عامل مساعد يوضح الحدث.
ماهية التراكيب
ثم انتقلت الحبيب إلى توضيح ماهية التراكيب: عندما نقرأ رواية معينة ووصفتها بذات لغة رائعة هل ذلك دليل على استخدام الكاتب لمفردات مبهمة أو مستغلقة، بالطبع لا بل إنه استطاع أن يُطوّع اللغة للحدث بشكل سليم وهذا ما يسمى التراكيب هو ارتباط كلمة بأخرى لتعطي صورة معينة أو حديث داخلي أو خارجي، فمثلا عندما أصف ساعة وأقول (كانت الساعة مصلوبة على الحائط) هذا التركيب أصبح مستهلك الكاتب الجيد الذي يخلق تركيب جديد (لاحقتني الساعة بعقاربها) هذا التركيب يحمل دلالة نفاذ الوقت، هذا النوع من التراكيب يفهمه أغلب المتلقين.
النص العام والنص النخبوي
وثم قسمت النصوص قائلة: هناك نص عام وهناك نص نخبوي يستخدم فيه الكلمات المعجمية، فهل هذه الكلمات المعجمية تفيد النص؟ تكون الإجابة ببساطة من المهم أن نتعلمها فعندما نقرأ نهج البلاغة أو خطبة الزهراء (عليها السلام) نجد هناك كلمات يصعب تفسيرها إلا بالاستعانة بالمعجم هل ذلك معناه ألا أبحث عنها لأنها غير مستخدمة الآن، نحن نعاني الآن من البعد عن منهل اللغة العربية ويحتاجها الكاتب لأنها تفيده في اختيار المفردة الملائمة ووضعها في المكان المناسب لتعبر عن حدث معين بدقة وببلاغة فمثلا كلمة السحاب تطلق على القطع البيضاء بينما الغيم الذي يأتي مع المطر وغيرها من التفاصيل.
نوع الجنس الأدبي
أما المحور الثاني فقد قدمته العوادي سائلة: كيف يمكن بناء نص أدبي تتكامل فيه العبارة والمعنى.
لتجيب الحبيب: قبل الإجابة على هذا السؤال نحتاج أن نعرف ماذا نكتب؟ فالنص الأدبي المتكامل يعتمد على نوع الجنس الأدبي الذي نريد أن نكتبه، فلكل نص أدواته الخاصة، فمن المفترض أن أعرف الجنس الأدبي أولا من بعد ذلك أحدد ما أحتاج من قوالب وأدوات، وأرى نحن الكتّاب الشيعة لدينا أقلام قوية وناضجة لكن نفتقر إلى تجنيس النصوص لأن أغلب الكتّاب أخذوا منحى الخواطر، قلة من تفرد بالكتابة عبر نص مجنس مثل القصة القصيرة أو الرواية أو قصيدة النثر، هناك كاتب قطيفي رائد أنيس استطاع أن يصل بقصيدة النثر إلى أعلى مراكز وترجمت كتاباته إلى الفرنسية والبلغارية التايلندية والصينية، استطاع أن يعمل على قضية مهمة ألا وهي ترميز الحسين عليه السلام، فالرمزية هي فن قادر على إيصال الرسالة الدينية لشتى بقاع الأرض من خلاله نستطيع أن نوصل ما نريد ايصاله، فنحتاج أن نجنس نصوصنا بصورة يتقبلها كل الأطراف، هناك كتّاب عملوا على كتابة قصة عامة تتحدث عن شخصية معينة ثم مع اقتراب النهاية يكشف الستار عن الشخصية التي يريد أن ينقل قصتها كما عملت أنا في رواية (ديم الحنين) ومجموعة من الكتاب أيضا انتهجوا هذا النهج.
المداخلات
ثم انتقلت العوادي إلى مناقشة المحورين مع المشاركات في الملتقى:
فأجابت جنان الرويشدي/مدرسة:
الأدب هو أحد أشكال التعبير الإنساني حيث يعبر الفرد عن أفكاره وخواطره وهواجسه بأرقى الأساليب الكتابية التي تتنوع من النثر المنوم إلى الشعر الموزون لتفتح للإنسان أبواب القدرة للتعبير عما لا يمكن التعبير أن يعبر عنه بأسلوب آخر وإن استخدام الكلمات الأدبية لا يؤدي إلى تحجيم المعنى بالعكس هو البراعة في اللعب بالشطرنج أو كالعزف على العود فهو يعطي المعنى جمالا.
ويتنوع قرّاء الأدب فمنهم من يقرأه للمتعة وهناك من يقرأ الادب للتعبير عن عواطفه وأفكاره والتحليل النفس البشرية أو منبرا للنقد الاجتماعي والدعوة للإصلاح والثورة وفي الحديث: أدبني ربي فأحسن تأديبي. فهو تهذيب وتأديب ووليمة تأخذ منها ما تريد.
أما فيما يخص المحور الثاني قالت الرويشدي: كلامك كدوائك إن قللت منه شفيت وإن أكثرت منه قتلت جمل كثيرة يتحدثون بها أمامك قد تمل منها ولا تأتي بأي فائدة بالعكس قد تكون جملة بكلمات قليلة تستفيد منها طوال حياتك وتأتي ثمارها وفائدتها من تلك الكلمات التي تشعر بوقتها وتدخل عقلك وفكرك وتمتصها فهي اختصار جميل لكلمات بأسلوب تتشربه النفس كما يشرب الشجر الماء فيصبح من يسمعها يريد المزيد بسبب متعة الكلمات.
فعلينا أن نعامل الناس بعقولهم وليس بعقولنا كي نصل للفائدة وتصل المعلومة بسلاسة، خير الكلام ما قل ودل، فقد يدخل الانسان النار بكلمة، وقد يدخل الجنة بمثلها ومن الأقوال التي ينطبق عليها خير الكلام ما قل ودل (لا تستح من إعطاء القليل فإن الحرمان أقل منه).
وفصّلت سجى الكربلائي/ كاتبة:
أظن أن المفردة يقع على عاتقها الجزء الأكبر لإيصال المعنى وجذب القارئ وإفهامه الفكرة ذات الوقت، وعلى الكاتب أن يدرك أن ما يكتبهُ موجه إلى الناس عامة هناك من يستهويه المفردات الأدبية غير المألوفة والتجديد في النص الواحد وما يحويه من مفردات.
ونوع آخر الذي يريد كل شيء واضح لا يشوبه الغموض وتروق له المفردات المباشرة، لذا أظن أن الاعتدال هو الحل الأمثل للكاتب فإن الاسهاب باستخدام المفردات الأدبية خصوصاً في النصوص التي تروم ايصال فكرة أو رسالة معينة يذهب جهد الكاتب للقارئ ادراج البحث عن فك شفرات المعنى ويضيع بذلك الهدف الرئيسي، كما وإن استخدام المفردات المباشرة وتكرارها في نص ما يجعل الملل حليف القارئ ويجعل منه يبحث عن النهاية متعجلاً دون أن يُشد ويركز فيما يود الكاتب ايصاله.
فاعتدال الكاتب هو الحل الأمثل لإدراج مفرداته الأدبية التي يباغت بيها القارئ بين الحين والآخر في محطات النص، كما أن هناك مفردات ذات معنى مباشر وأيضاً غير مألوفة يمكنه أن يجدها سبيل آخر للتجديد وشد القارئ دون أن يضيع المعنى.
وفيما يتعلق بالمحور الثاني فإنه يمكن للكاتب صياغة نص متكامل من حيث العبارة والمعنى من خلال صياغة الفكرة واتمامها في العقل ووضع أكثر من مسودة تشتمل على ما يود ايصاله بعيداً عن النص النهائي ثم الخروج بفكرة موجزة تحمل عبارات أقل وأدل على المعنى.
واختصرتْ حنين الربيعي/ محامية :
إذا كان القصد بكتابة المقال الأدبي أو الصحفي هو اللغة هي لغة الوسطى أي بين النص الأدبي والعلمي بحيث تصل للقارئ بصورة واضحة ومرنة لكن لا يعني البساطة لدرجة تحجيم المعنى وسلاح الكاتب هو المعلومة وكيفية توظيف المعلومة هذه الأشياء تبين قوة النص.
والمحور الثاني: أرى أن هذا يعتمد على القدرة البلاغية للكاتب وثروته اللغوية وقدرته في توظيف كلماته ضمن سياق رصين ومرّكز.
وفيما رأت هدى الحسيني / كاتبة
أتصور أن الاستغراق في استخدام الكلمات الأدبية تجعل للكاتب جمهور معين يتابع كتاباته بينما الآخرون قد لا يفهمون ما يريد ذلك الكاتب، ولأن رسالة الكاتب يحبذ أن يفهمها الجميع فيجب عليه تبسيط كتابته وإن كانت لديه ميول لاستخدام الغريب من الكلمات فلديه الخاطرة أو النص المفتوح أو غيرها ويبدع بها.
أما جواب السؤال الثاني فكلام الامام علي عليه السلام وخطبه خير دليل على تكامل النص الأدبي والبلاغي بأقل العبارات وأتمها.
وقالت جنان الهلالي/ كاتبة:
الاستغراق في الكلمات الأدبية يضعف من المحتوى الجيد للنص، فكل فقرة تحتاج إلى توضيح وتسلسل للفكرة التي بعدها، وبالطبع سنحتاج إلى تفاصيل أكثر عن الموضوع. وقد نبتعد عن الفكرة أو الهدف الحقيقي للمقال.
بالنسبة للسؤال الثاني هو عن طريق وضع مخطّط للمقال فهو يعمل، كخريطة طريق لكيفية كتابة المقال، وإنه ترتيب منهجي ومنطقي لتسلسل الأفكار وكيفية طرحها في المقال حتى لا تضيع فكرة الموضوع بسبب كثرة المفردات اللغوية.
الأسئلة والأجوبة:
بعدها وجهت رقية تاج (كاتبة) سؤالا كتبت فيه: ماهي نصيحتك للذي يعاني من ضعف بأحد الجانبين: اللغة، المحتوى أو الفكرة؟ وما رأيك بالأسلوب الرمزي (في القصة)، الكثير يقولون لا نفهم إن لم تقال الأشياء بمسمياتها؟
لتجيبها الحبيب مُفسرة: تقوية اللغة والضعف في المحتوى يمكن معالجته بكثرة القراءة المتنوعة، من روايات وعلم الحياة والفكر وجهاد النفس وإصلاح الذات وقصص الأنبياء التي لها دور كبير جدا في اثراء الكاتب ومخالطة الناس ومعرفة مشاكلهم الصامتة، أما تطوير اللغة فلها مناهلها التي تبني الكاتب لغويا فالقرآن الكريم ونهج البلاغة وكتب الأشعار وعدد من الكتاب.
أما السؤال الثاني فهناك أنواع من القصص، قصة من مدرسة الوعي من الحياة الواقعية، وهناك نوع آخر من القصص ينتمي إلى اللاوعي، مثلا عندما أقول (انتفخت البالونة وطارت في السماء وانا انتفخت وبدأتُ أطير حتى تحولت إلى دخانا في السماء) هذه قصة أجزاؤها غير واقعية تحدث في مدرسة اللاوعي لكنها تحمل رمزية إما التكبر أو السمو أو غيرها من المعاني حسب قراءة الفرد لها، وهناك نص رمزي آخر عن طريقة الأنسنة وفيها يستخدم الجماد والحيوان وغيرها يعطيه صفات الانسان وهذه ظاهرا كأنها قصص أطفال لكنها تحمل في طياتها العديد من الدروس الموجهة لأي قارئ.
كما سألت نجاح الجيزاني (كاتبة)، تنوع العطاء الذي تذكرينه أستاذة تسنيم ألا يفترض مطالبته من أقلام متمرسة قد قطعت شوطا طويلا في كتابة النص الأدبي، بينما نحن لا زلنا في بداية المشوار الكتابي؟
فأجابتها الحبيب: لا يوجد كاتب متمرس، ومن يدعي غير ذلك فأراه مخطئا، كلنا متعلمون على سبيل نجاة، بمعنى كل كاتب حتى لو كانت لديه الموهبة يحتاج إلى اشتغال، فالكتّاب الذين وصلوا إلى ما وصلوا اليه هم دائما يسعون إلى تطوير ما لديهم حتى يخرجوا بنص جديد ولا يملهم القارئ، لكن من المهم أن يحدد الكاتب ميوله حتى يستطيع أن يطور نفسه في هذا المجال، وكما أنظر لنا ككتّاب شيعة أن نتعاضد حتى نقدم ما يلائم الرسالة التي نحملها على عاتقنا في زمن الغيبة فنكتب في جميع المجالات من خلال تخصص كل كاتب في جانب معين لإثراء هذه الساحة المباركة.
وكانت كلمتها الأخيرة: هي حث الكاتبات على القراءة المركزة والمستمرة والاجتهاد في هذا المجال وكذلك الذوبان في العمل والاخلاص لمحمد وآل محمد حيث لاتهم الشهرة والاسم بقدر ما يهم هو الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ورضا الامام الحجة عج.
وبعد مجموعة الأسئلة التي وُجهت للكاتبة وأجابت عنها بسلاسة وسعة صدر ختمت العوادي الملتقى: ما دمنا أردنا أن نخطو في هذا الطريق فلا بدّ لنا من السعي والاستمرار في التعلم بمختلف أنواع العلوم لنخدم هذه القضية الكبرى التي نحملها في أعناقنا مسؤولية القلم الحق.
ولابد من الإشارة إلى أن ملتقى المودة للحوار التابع لجمعية المودة والازدهار للتنمية النسوية يُعنى بمناقشة مجموعة من الأفكار التي تهدف لرفع المستوى الفكري والثقافي للمرأة.
اضافةتعليق
التعليقات