إنَّ الدعاء لم يكن يوماً حلقة في سلسلة فردية فقط، مع أنه وبنظرة ضيقة يعبّر عن علاقة وارتباط الانسان بربه بصورة شخصية، إلا أنّ أدعية أهل البيت زاخرة بمعاني تصحح عقائد وشبهات وأخلاقيات منحرفة وسلوكيات خاطئة وتدعوا إلى قيم وأفكار متنوعة وإن كانت بأسلوبٍ غير مباشر.
بعد ملحمة عاشوراء الدامية، لم تسقط راية الاصلاح التي رفعها الامام الحسين عليه السلام في كربلاء بوجه الطاغية، فقد حملها الامام زين العابدين من بعده ولكن بطريقة أخرى تناسب الظرف الذي عاشه المسلمين وقتذاك، فقد كان الناس يعيشون حالة من الخوف والهلع من السلطان ومن مواجهته بأي طريقة والتي كانت ستجهض بلا شك بالنار والسيف.
يصوّر لنا التاريخ أنَّ الامام قد اعتزل السياسة وتوهم الناس أنه تبنى منهج "اعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله"، والحقيقة ليست كذلك البتّة، فكل الأئمة لم يسكتوا عن ظلم وفساد أبداً، والامام يمثل الحق المطلق والمعصوم الذي ليس من الممكن أن يترك مبدأ ديني أساسي وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
مقارعة الظلم وتقويم سلوكيات المجتمع وحفظ عقائده من البدع قد يكون تارةً بالفعل عن طريق الدفاع عن كل ذلك بالسيف والثورة المباشرة، وتارةً بالقول وتحريك الرأي العام لرفض سلوك السلطة وانحرافاتها، وقد يكون تارةً أخرى عن طريق عرض العقائد الحقّة وتوضيح الأفكار السليمة التي ما إن يتعرف عليها الفرد سيعلم أنها تعارض تماماً أفكار أولئك الطغاة ومنهجهم المحرّف، وقد ضمّن الامام ذلك في الكثير من المواقف والكلمات ومنها الخطب والمواعظ والأحاديث وصولاً للدعاء والمناجاة مع الله.
كل المسلمين باختلاف مشاربهم يعتقدون بوجود الإله، لكن اختلافهم الجوهري كان في صفات هذا الإله وطريقة حكمه على المعمورة، وقد جهل الناس أو تجاهلوا أصحاب الحق وأهله، لذلك نقرأ في الكثير من الأدعية، سبب اختيار الله تحديداً ذرية الرسول دون غيرهم لخلافته، ماهو دورهم وماهي مسؤولية الناس تجاههم، كل هذه المفاهيم موجودة في الكثير من الأدعية.
ففي الصلوات المروية عن الامام السجاد في أيام شهر شعبان، نقرأ أن "محمد وآل محمد هم شجرة النبوة وموضع الرسالة وأهل بيت الوحي"، "الذين اوجبت حقوقهم وفرضت طاعتهم وولايتهم" فالامام يذكّر الناس بأهل البيت ويدع لأذهان الناس مقارنتهم بالذين غصبوا الخلافة وحكموا الناس باسم الدين.
وفي دعاء مكارم الاخلاق المروي عن الامام أيضا، يوضح الامام العديد من المفاهيم والسلوكيات والعقائد، أصول وأسس التعامل السليم، فيقول: "وعبدني ولا تفسد عبادتي بالعجب، وأجر للناس على يدي الخير ولا تمحقه بالمنّ، وهب لي معالي الأخلاق واعصمني من الفخر".
يعلمنا الامام ماذا نطلب من الله عز وجل وما الذي ينقض العمل الخيّر، فالعبادة والتصدق ومكارم الأخلاق قد يصاحبها العجب، المنّ والفخر، التي علينا الحذر من الوقوع فيها.
العبودية الحقّة، صفات الباري وتنزيهه من كل شرك، الارتباط بأهل البيت وكونهم وسيلة للتقرب إلى الله، كل ذلك وأكثر بيّنه الامام في تراث كبير وكنز جميل تركه لنا، والمتمثل بالأدعية المروية عنه صلوات الله عليه.
اضافةتعليق
التعليقات